مؤتمر برلين والحل الغائب في ليبيا

مؤتمر برلين والحل الغائب في ليبيا

25 يناير 2020
+ الخط -
يصعب القول إن مؤتمر برلين الدولي بشأن ليبيا قد نجح في إحداث اختراق في الصراع الدولي والإقليمي على ليبيا وفيها، على الرغم من أنه عقد برعاية الأمم المتحدة، وحضره قادة دول كبار فاعلة في الملف الليبي، وبهدف وقف القتال، وإطلاق مسار الحل السياسي، إلى جانب وقف التدخلات الأجنبية في هذا البلد. 
وكان متوقعاً أن تطلق المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، تصريحاتٍ متفائلةً في ختام المؤتمر، بالنظر إلى أن المتدخلين الدوليين في الصراع اتفقوا على ضرورة احترام حظر السلاح إلى ليبيا، والالتزام به، وتعزيزه من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم على الأرض، بل وذهب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إلى القول إن "القوى الأجنبية التزمت عدم التدخل بعد اليوم في النزاع في هذا البلد". وفي هذا تفاؤل كبير، يحتاج إلى أسس يُبنى عليه. ولعل الحديث عن أن المؤتمر شكل مفتاحاً للحل السياسي، أو بداية سياسية جديدة، يستلزم الشروع في إطلاق حوار سياسي من أجل التوصل إلى الحل المنشود، لكن الأمر ليس بهذه البساطة، لأنه يتطلب توافقا دوليا وإقليميا، وتوفر إرادة لدى الدول المتدخلة في الشأن الليبي لوقف الحرب الدائرة بالوكالة فيها.
لا يمكن تحقيق ذلك بسهولة، وخصوصا وقف التدخلات الخارجية في الصراع الليبي، لأن هذا 
الصراع شهد مزيداً من التدخلات العسكرية المباشرة في الآونة الأخيرة، خصوصا بعد زيادة وتيرة التدخلين، الروسي والتركي. ثم إن أي بداية لحل سياسي يطلقه مؤتمر برلين، تستلزم ضرورة التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم، الأمر الذي يستوجب إرسال قوات مراقبة دولية إلى هناك، وبالتالي يبرز سؤال هنا بشأن ما إذا كانت كل من روسيا وتركيا وفرنسا وإيطاليا والإمارات ومصر وغيرها ستقبل إرسال قوات دولية لدول محايدة، من دون مشاركتها فيها، إضافة إلى أن أطرافاً ليبية ترفض إرسال مثل هذه القوات، تحسباً من أنه قد يفضي إلى تقسيم ليبيا.
قد يكون أحد أهداف مؤتمر برلين المضمرة سحب البساط من تحت كل من روسيا وتركيا، وعدم ترك فراغ سياسي لهما، وخصوصا أن الساسة الروس حاولوا، في مؤتمر موسكو، إبرام اتفاقات على أساس تقاسم المصالح الروسية التركية، مستفيدين من الابتعاد الأميركي عن الملف الليبي، ومن الخلافات والتباينات بين كل من فرنسا وإيطاليا وألمانيا، وحاولوا عقد تفاهماتٍ مع الساسة الأتراك، على غرار تفاهماتهم معهم في الملف السوري، من خلال ضرب مسار جنيف الأممي، وإفراغ القرارات الأممية، عبر اجتراحهم مساري أستانة وسوتشي، وأرادوا تكرار الأمر في الملف الليبي، والظهور بمظهر الراعي الأوحد للتسوية والحل السياسي في ليبيا، لكنهم فشلوا مع مغادرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ورفضه التوقيع على ما تمّ التوصل إليه في موسكو، موجّهاً صفعة قوية لداعمه الروسي، ومعلناً أن الأسلوب الذي اتبعه ساسة الكرملين في التعامل مع الملف السوري لا يصلح للملف الليبي.
وعلى الرغم من أن قائمة الحاضرين دولياً في قمة برلين، ومستوى الحضور، قد أعطى أهمية كبيرة للملف الليبي، إلا أن المؤتمر لم يأت بحل للأزمة، وبقي في حقل الأماني أن يشكل مجرد بداية للحل، من خلال تقريب مواقف الدول الإقليمية الداعمة لأطراف الصراع في ليبيا، لذلك تمحورت الجهود الألمانية حول الخروج بضمانات بغية تفعيل اتفاقية حظر توريد الأسلحة إلى الأطراف المتنازعة في ليبيا، والتي لم تلتزم بها كل تلك الدول المتدخلة، ضاربةً عرض الحائط بقرارات الأمم المتحدة ومواقفها التي دعت مراراً إلى وقف كل التدخلات الخارجية في الصراع الليبي.
وبالنظر إلى ما خرج به مؤتمر برلين من مواقف معلنة من الدول المجتمعة فيه، إلا أن هذه 
المواقف شيء وما يجري على الأرض شيء آخر، إذ لم تتوقف الخروق، عبر المناوشات والقصف، بل وجرى توقيف ضخ كمياتٍ معتبرة من النفط الليبي، نتيجة إغلاق حقول نفطية وشنّ هجمات عليها. ومع ذلك، يراهن المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسّان سلامة، على ما سمّاه "ترميم الموقف الدولي من المسألة الليبية"، بما يعني المراهنة على حضور قادة الدول المتدخلة ومسؤوليها في قاعة واحدة، لكن ذلك لا يكفي، إلا إذا صدر قرار من مجلس الأمن الدول يلزم تلك الدول، ويطلق حواراً بين الأطراف الليبية، وفق المسارات الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي حددها المبعوث الأممي.
ويبرز تساول بشأن إمكانية الاستناد إلى البيان الختامي لمؤتمر برلين في معالجة الوضع الليبي، بموازاة "ترك اختيار الممثلين السياسيين في الحكومة الجديدة لليبيّين"، وتفعيل عمل اللجان التي تقرّر تشكيلها، وتحديد مهامها في السعي إلى إيجاد حلٍّ ينهض على شراكة سياسية من دون إقصاء أو تهميش، ويمكنه توحيد المؤسسة العسكرية، وتسوية الأمور الاقتصادية. وهذا ما يتفق مع بيانات مؤتمرات ولقاءات سابقة، سواء اتفاق باريس 1 وباريس 2، أو إعلان باليرمو، واتفاق الصخيرات، التي تحدّد مساراتٍ مشابهة لحل سياسي للأزمة الليبية.
ولعل التعويل على جدّية مؤتمر برلين يجسّده تشديد المشاركين فيه على وقف إطلاق النار للمضي في بدء مسارات الحل السياسي، لكن يُخشى تسرّب الانقسام السياسي بين الدول المتدخلة إلى مفاصل الأزمة، وبالأخص لجنة مراقبة وقف إطلاق النار التي أوصى البيان بتشكيلها لمراقبته، ثم البدء في حوار أمني واسع، ينتظر منه تفكيك المجموعات المسلحة وإدماجها في مؤسسات أمنية وعسكرية واحدة. وهذا ليس أمرا سهلا بتاتاً.
5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".