قنّاصة عيون في بيروت

قنّاصة عيون في بيروت

24 يناير 2020
+ الخط -
قنص عيون المتظاهرين في بيروت بات قضيةً يجري الحديث عنها على نطاق واسع في الآونة الأخيرة. وبعد إصابة حوالي سبعة متظاهرين إلى درجة فقدان النظر في إحدى العينين، انطلقت حملة واسعة على وسائل التواصل للتضامن مع المتظاهرين، اعتمدت على التقاط صورة تستر إحدى العينين، واعتمدت الشعار الذي أطلقة ناشطون لبنانيون، وهو موجّه إلى الجيش، "يا وطن، إذا بتشوفنا بعينتين، منشوفك بعين". والهدف من عملية تغطية عين واحدة لفت أنظار العالم إلى الناشطين الذي تعرّضوا للإصابة. وتحت هاشتاغ "أوقفوا قنص العيون" و"ثورتكم عيوننا"، قال الناشطون: "ثورتنا.. عيوننا.. المطّاط لا يطفيها". والمقصود هنا الرصاص المطّاطي الذي استخدمته القوى الأمنية اللبنانية التي تولت قمع المظاهرات. وبحسب ميساء منصور من حملة "مناهضة العنف ضد الثوار" أنّ "أكثر من 30 إصابة بالرصاص المطّاطي سُجّلت، في منطقة الوجه ومحيط العين". 
وقد تكون الإصابة في العين بسبب طلقات طائشة وسط التحامات جرت على مدار ليلتين في نهاية الأسبوع الماضي (أسبوع الغضب) في محيط مجلس النواب اللبناني في ساحة النجمة وسط بيروت، حيث حاول المتظاهرون السيطرة على مقر المجلس، في خطوةٍ رمزيةٍ تهدف إلى تعطيل أعمال المجلس الحالي، والضغط من أجل الذهاب نحو انتخاباتٍ نيابيةٍ مبكّرة، تأخذ في الاعتبار التحوّلات التي عرفها لبنان بفضل الانتفاضة الشعبية التي بدأت في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بهدف إحداث تغيير شامل يتناول البنى السياسية والاقتصادية التي صارت تشكل عائقا رئيسيا أمام تطور البلد، وتمنع على اللبنانيين الوصول إلى الخدمات الأساسية من تعليم وطبابة ومياه شرب نظيفة وكهرباء. وربما كانت عملية القنص مخطّطا لها من مسؤولين في الأجهزة الأمنية تصرّفوا وفق أوامر من جهات سياسية معروفة متضرّرة من الانتفاضة، وهذا الأمر يمكن عطفه على السلوك العنيف الذي مارسه بعض أنصار حزب الله وحركة أمل ضد المتظاهرين أكثر من مرة، وتشهد صور على التجاوزات ذات الطابع العنفي تشمل ضرب متظاهرين بالهراوات والسلاسل الحديدية، ومن دون أي تفريق بين المتظاهرين.
وحين يتم الاعتداء على الصحافيين، يكون الغرض منع الإعلام من أن يؤدي وظيفته. وهذا يعني أن المسؤول الذي أوعز للقوى الأمنية أن تستخدم العنف ضد الصحافة أراد أن يصوّب على الميديا التي تنقل الحدث من جهة، ومن جهة ثانية منعها من نقل الصورة إلى الخارج. أرادوا أن يضربوا الكاميرا، فاعتدوا على مصوّرين عديدين معروفين على المستوى العالمي، مثل نبيل إسماعيل وقبله رمزي حيدر. ومن دون شك، من أوعز بالاعتداء يعرف جيدا ماذا يمثل هؤلاء، وماذا تعني الصورة، فوتوغرافية كانت أم تلفزيونية، وهذا ما يفسّر إصابة أحد مراسلي قناة الجزيرة إيهاب العقدة. واللافت أنه لا يغيب عن أصحاب القرار إن استهداف العين، أو أجزاء أخرى من الجسد، تُعدّان انتهاكاً لحقوق الإنسان وللقوانين الدولية التي تحظر استخدام مثل ذلك الرصاص بالطريقة التي استُخدم فيها، لا سيّما في اتجاه الرأس والوجه والعيون والصدر، مشترطة حصر توجيهه إلى القدمَين، في حال "الضرورة الشديدة" لاستخدامه.
وفي كل الأحوال، لا يبدو أن الذين قرّروا الرد على التظاهرات باستخدام وسائل العنف قد تصرفوا من دون دراسةٍ وافيةٍ لخطوات الرد وأساليبه لدى كل خطوة، وإزاء أي تحرّك من المتظاهرين، وهذا ما يفسّر رفع منسوب العنف الذي وصل إلى مرحلة خطيرة، وبات قريبا جدا من الانتقال إلى الرصاص الحي والقتل، وغير مستبعد أن يأتي هذا الإجراء في وقت قريب، ولكنه معلق بانتظار تشكيل الحكومة التي ستأخذ على عاتقها قمع الانتفاضة بالدم، وهذا التصرّف قد يقود إلى ارتكاب مجازر من أجل فض المظاهرات والسيطرة على الشارع.
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد