رسائل ترامب التحذيرية بالفارسية

رسائل ترامب التحذيرية بالفارسية

20 يناير 2020
+ الخط -
منذ دخوله البيت الأبيض رئيسا للولايات المتحدة الأميركية في يناير/ كانون الثاني عام 2017، أثار استخدام دونالد ترامب المفرط حسابه الرسمي على "تويتر" الكثير من الجدل في الأوساط السياسية الأميركية والعالمية، سيّما أنّ هذه المنصة أضحت من أدوات الحكم في البيت الأبيض، ووسيلة مفضلة لدى ترامب للإعلان عن كثير من سياساته وآرائه وانتقاداته ورسائله وقراراته في قضايا عديدة لا تمسّ الداخل الأميركي فحسب، وإنما تعدّتها إلى القضايا الدولية.
تكرّر إعلان ترامب عن مواقفه وقراراته ورسائله في "تويتر"، بشكلٍ لافتٍ في الآونة الأخيرة، وخصوصا بعد اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، بعملية أميركية أسفرت عن مقتله ومجموعة من رفاقه، وما تبع هذه العملية من أحداثٍ متسارعة، وتصعيد كبير في المواقف والتهديدات، عبر التغريدات والتغريدات المضادّة التي شهدتها منصة "تويتر".
اختلفت تغريدات ترامب أخيرا، والتي تناولت الوضع الإيراني، كثيراً عن تغريداته السابقة، وذلك لثلاثة أسباب: الأول أنّ بعض هذه التغريدات جاء باللغة الفارسية. وهذه المرة الثانية التي يستخدم فيها ترامب الفارسية في تغريداته، وذلك بعد تغريدته الأولى التي جاءت في الذكرى الأربعين لنجاح الثورة الإسلامية في إيران العام الماضي. والسبب الثاني أنّ هذه 
التغريدات جاءت في ظروفٍ حساسة جداً يشهد فيها النظام الإيراني ضغطاً داخلياً وخارجياً كبيراً على إثر اغتيال قاسم سليماني. والضجة الكبيرة التي سببها إسقاط الحرس الثوري الإيراني طائرة الركاب المدنية الأوكرانية ومقتل 176 شخصا، وما نتج عن عملية الإسقاط من غضب في الشارع الإيراني وخروجه بمظاهراتٍ ندّدت بالولي الفقيه والنظام الحاكم، في حين أن السبب الثالث يعود إلى الاهتمام الدولي الواسع والكبير بهذه التغريدات التي تناقلتها وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمكتوبة.
يعتبر إطلاق ترامب تغريدات بالفارسية في هذه الظروف خطوة غير مسبوقة لإيصال رسائل تحذيرية ومختلطة، بعضها موجّه إلى الداخليْن الإيراني والأميركي، وبعضها الآخر موجّه للنظام الإيراني، وبعضها موجّه إلى شعوب المنطقة وحكامها.
بعض هذه الرسائل التي يمكن استخلاصها من تغريدات ترامب الفارسية، والموجهة إلى الداخل الإيراني والنظام في الوقت نفسه، هي أنّ واشنطن جادّة في مواجهة النظام الإيراني في عقر داره، وفي حدوده الوطنية، بعد أن واجهته في جغرافيته التوسعية التي شملت العراق وسورية ولبنان واليمن.
وبالتالي، أصبحت جميع الخيارات مطروحة، ومتاحة للولايات المتحدة الأميركية لمواجهة النظام الإيراني، أحدها إشعال الشارع الإيراني ضد النظام، ودعم تحرّكاته في سبيل تحقيق مطالبه، 
والوقوف بجانب الشارع المنتفض، ومساعدته في حال استخدام النظام القوة في قمع المظاهرات والاحتجاجات.
ومن الرسائل التي يمكن استخلاصها من تغريدات ترامب الفارسية، والموجهة إلى بعض دول المنطقة، وخصوصا في لبنان والعراق، اللذين يشهدان مظاهرات ضد إيران وسياستها ووكلائها في البلدين، أن الولايات المتحدة على علم ودراية بما يحدث، وتراقب عن كثب احتجاجات الشعوب المظلومة والمقهورة، وأن تدخّلها قد يأتي في أي لحظة، ولن تسمح الولايات المتحدة لوكلاء إيران في الدولتين باستخدام القوة في قمع المحتجين والمتظاهرين.
ومن الرسائل التي يمكن استخلاصها أيضاً من تغريدات ترامب الفارسية، والموجّهة إلى الداخل الأميركي، بما فيه قيادات الحزب الديمقراطي، أن إدارة ترامب لن تدَع أي وسيلةٍ للضغط على إيران، إلا وستستخدمها في سبيل تنفيذ استراتيجية ترامب تجاه إيران، والتي تقوم على تحجيم الدور الإيراني، ومنع إيران من الحصول على السلاح النووي.
وتعتبر هذه الرسالة من أهم الرسائل التي يسعى ترامب إلى إيصالها، خصوصا في ظل المشكلات السياسية الداخلية التي يفتعلها الحزب الديمقراطي في محاولة عزله، والتأثير على موقعه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فمن خلال هذه الرسالة سيعزّز ترامب مواقعه الانتخابية والسياسية في صفوف قاعدته الانتخابية المحافظة، وفي صفوف صقور وزارة الدفاع، ولدى 
عموم المحافظين والقوميين في الولايات المتحدة، ممن يؤيدون إظهار قوة الولايات المتحدة في مواجهة أعدائها الذين يدخل ضمنهم إيران والحرس الثوري الإيراني والمليشيات الموالية لإيران.
على وقع هذه الرسائل التي أطلقها ترامب باللغة الفارسية، يبدو أن العلاقات الأميركية – الإيرانية ذاهبة باتجاه مزيد من التوتر والتصعيد، فالعقوبات الاقتصادية ضد إيران لن تكون هي نمط المواجهة الوحيد، بل هي جزء من المواجهة التي تتفرّع أيضاً إلى أنماط أخرى، من بينها تحريك الشارع الإيراني ضد النظام الإيراني في سبيل تنفيذ الاستراتيجية التي يتبناها ترامب تجاه إيران، والقائمة على كبح جماحها، وتقييد حركتها، وإضعافها، وحرمانها من حيازة السلاح النووي، والصواريخ بعيدة المدى، وتحجيم دورها الإقليمي من خلال استمرار الضغط عليها بشتى الطرق والوسائل.