ضم الضفة الغربية على صفيح ساخن

ضم الضفة الغربية على صفيح ساخن

18 يناير 2020
+ الخط -
بعد تعهداتٍ متسارعةٍ من رئيس حكومة الاحتلال، نتنياهو، بضم المناطق ج من الضفة الغربية لإسرائيل، أعلن وزير الحرب الإسرائيلي، نفتالي بينيت، في 15 يناير/ كانون الثاني الحالي، عن إنشاء سبع محميات طبيعية، وتوسيع 12 أخرى في المنطقة المذكورة، بغية ضم الضفة الغربية تدريجياً لإسرائيل. وهناك مخطط إسرائيلي يهدف إلى جذب مليون مستوطن يهودي خلال السنوات العشر المقبلة إلى الضفة الغربية، لفرض وقائع ديموغرافية تهويدية على الأرض، يصعب الانفكاك عنها. وقد عزّز التوجه الإسرائيلي إلى ضم الضفة الغربية تدريجياً شرعنة إدارة ترامب المستوطنات. 
تشكّل المنطقة ج، حسب اتفاقات إعلان المبادئ (أوسلو) حوالي 61% من مساحة أراضي الضفة الغربية. السلطة الفلسطينية هي المسؤولة عن تقديم الخدمات الطبية والتعليمية للفلسطينيين في المنطقة، في حين تكون السيطرة الأمنية والإدارية بشكل كامل لإسرائيل، حيث يتمركز فيها، باستثناء مدينة القدس الشرقية، حوالي 413 ألف مستوطن يهودي فضلاً عن ثلاثمائة ألف فلسطيني، ويدير شؤون السكان الفلسطينيين في المنطقة ج المنسق الإسرائيلي للأنشطة الحكومية في الضفة الغربية.
بعد تعهدات نتنياهو وبينيت، وغيرهما من قادة الأحزاب الإسرائيلية، بضم الضفة الغربية، من
خلال ضم مناطق واسعة في غور الأردن أولاً، تبرز قضية المستوطنات باعتبارها أحد رموز الاحتلال ومعالمه، وتالياً ضرورة توضيح مخاطر النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في فلسطين وعدم شرعيته، حيث تم إخضاع هذا النشاط لمنهاج تدريجي في عملية التوسّع غير محدّد برقعة واضحة، دلل عليها تصريح أول رئيس وزراء اسرائيلي، دافيد بن غوريون، "حدود إسرائيل ستعينها الأجيال القادمة". وقد كان هذا المنهاج مرهونا بالإمكانات المتاحة ديمغرافيا، أي إحلال المهاجرين اليهود مكان السكان العرب، أصحاب الأرض الأصليين.
نجحت الحركة الصهيونية، بدعم بريطاني وغربي، في إعلان إنشاء إسرائيل في مايو/ أيار 1948 على 78% من مساحة فلسطين التاريخية، وتمكّنت العصابات الصهيونية من طرد 850 ألف فلسطيني في العام المذكور، بعد أن ارتكبت مذابح ومجازر عديدة ضد الفلسطينيين. وإثر ذلك، تمّت عملية تدمير مبرمجة لنحو 418 قرية ومدينة فلسطينية، وأنشأت المؤسسات الصهيونية على أنقاضها مستوطناتٍ تخدم أهدافا أمنية واقتصادية للتجمع الاستيطاني الإسرائيلي. ولم تتوقف تلك المؤسسات عند الحد المذكور، بل ابتكرت قوانين جائرة لمصادرة أراضي الأقلية العربية (1،5 مليون)، ولم يتبق خلال العام الحالي (2020) سوى 2% من المساحة التي أنشئت عليها إسرائيل لاستخدامات الأقلية العربية، على الرغم من أنها تشكل أكثر من 20% من إجمالي السكان. وثمّة قوانين جائرة استصدرت خلال السنوات الأخيرة أو تمّ إحياؤها بغرض تهويد كل مناحي حياة الأقلية العربية لفرض يهودية الدولة وتهميش الأقلية العربية. ولهذا يمكن القول إن سياسة ابتلاع الأرض والاستيطان لم تتوقف في المناطق المحتلة عام 1948، حيث تتم تحت مسميات تطوير منطقتي الجليل والمثلث.
في الخامس من شهر يونيو/ حزيران 1967 تمت سيطرة الجيش الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية الناجية من الاحتلال في عام 1948، أي الضفة الغربية وقطاع غزة الذي تم تفكيك المستوطنات وترحيل المستوطنين عنه في عام 2005، ولكن ذلك لم يمنع دولة الاحتلال من الاستمرار بنشاطها الاستيطاني في عمق الضفة الغربية. وتوضح دراسات تضاعف عدد المستوطنات والمستوطنين بعد اتفاقات إعلان المبادئ (أوسلو) الموقع في سبتمبر/ أيلول 1993. وقد أدّى النشاط الاستيطاني التهويدي إلى إنشاء 151 مستوطنة في الضفة الغربية حتى نهاية عام 2019، ويتركز فيها أكثر من خمسمائة ألف مستوطن ، فضلاً عن 26 مستوطنة تلف مدينة القدس من جميع الجهات، بطوقين من المستوطنات، وتستحوذ على 215 ألف مستوطن إسرائيلي.
دفعت الوقائع الاستيطانية التي فرضت بقوة الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، بما فيها القدس، عديدين من قادة إسرائيل، وفي مقدمتهم نتنياهو وبينيت، إلى الحديث عن ضرورة ضم المستوطنات خطوة رئيسية لضم الضفة الغربية، بالاعتماد على مواقف إدارة الرئيس الأميركي، ترامب، المنحازة للتصورات الإسرائيلية، الأمر الذي يحتم الإسراع لتحقيق مصالحة وطنية فلسطينية، والاتفاق على سبل كفاحية محدّدة لمواجهة مخاطر ضم إسرائيل الضفة الغربية، بغرض تهويدها، عبر فرض ديموغرافيا وجغرافيا قسرية، والعمل، في الوقت نفسه، على تدويل قضية الاستيطان في الضفة الغربية بما في القدس. وسيعزّز هذا التوجه الفلسطيني عضوية فلسطين في منظمات دولية عديدة، وكذلك القرارات الدولية التي تعتبر المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية، وفي مقدمتها قرار مجلس الأمن رقم 2334، الصادر خلال عام 2016، حيث يعتبر إنشاء إسرائيل مستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، بما فيها القدس الشرقية، ليس له أي شرعية قانونية، ويشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.