"مرشَّح للوزارة".. شخصية جديدة في النادي

"مرشَّح للوزارة".. شخصية جديدة في النادي

16 يناير 2020
+ الخط -
عن غير قصد، تسبّبت الثورة في لبنان بدخول مواطنين جُدد إلى نادي المرشحين للوزارة، أي وزارة. بفضلها استقال رئيس الوزراء القديم، وكُلِّف وزير سابق مكانه بتأليف الوزارة الجديدة، منذ ما يقارب الشهر تقريباً. وبما أن التأليف ليس سهلا، وسط أمواج العاصفة التي سبقته ورافقته، كان على الرئيس المكلّف بتشكيل مجلس الوزراء أن يجري اتصالاتٍ غير عادية. إذ يقوم بمهمة شبه مستحيلة بإصراره على مجلس وزراءٍ من "التكنوقراط"، مطعَّم بممثلين من "الحِراك"؛ أي الثورة. فكانت مرْوحة واسعة ومتنوِّعة من الذين استدعاهم الرئيس المكلف تطفو على المسرح، وتحتل مكاناً، ولو متواضعاً، على الخشبة المزدحمة أصلاً بالزعماء المتعدّدين، الشخصيات النافذة، والمستشارين والمنتفعين. والصفة التي باتتْ مكرَّسة لشخصياتٍ كهذه هي "مرشّح للوزارة". 
والمرشّحون للوزارة، بفضل تعذّر تأليفها، باتوا جمهرةً من الناس. أعدادهم يمكن تقديرها بحسب 
عدد الطوائف المتنازعة على هذه الغنيمة، وأيضاً بحسب الفيتوات التي وضعها زعماء الطوائف على "مرشحي" بعضهم بعضا. قد يكون واحد فقط من بين هؤلاء المرشحين هو "الثابت" من بين نظرائه: تلقّى مخابرة هاتفية شخصية من الزعيم الذي سمّاه، أو من مكتبه، ولم يعترض عليه أحد من المتحاصِصين. انه مرشّح مكرَّس إذا جاز التعبير. وإذا التقيتَ به مصادفةً، فسوف تلاحظ على وجهه علامات الرضا. رضاه عن نفسه، ورضا الزعماء أجمعين عليه. أما الباقون، فيتوزّعون بين أصنافٍ مختلفة.
فهناك المرشحون نصف المكرَّسين، من صنف أولئك الذين وردتْ أسماؤهم في الصحف على لائحة الترشيحات للوزارة العتيدة؛ عادت وظهرت مرة واثنتين، واختفتْ ثم عادت، متأرجحةً بين "لا" و"نعم". فيما أسماء أخرى استُبعدت تماما؛ وربما مؤقتاً. ولكنها، أي الأسماء، بقيت برهةً معلقةً في أذهان المواطن البسيط. خصوصاً أن بعض حامليها، خرجوا إلى الشاشة ونفوا ترشّحهم للوزراة؛ أي أكّدوه. ومن بينهم مرشحون قيل إنهم يمثلون "الحِراك"، أي الثورة، نالوا قسطاً من الشهرة، وقسطاً آخر من الاستنكار من مجموعات الثوار أنفسهم. بعضهم عُرِف بالاسم، وكان أكثر خجلاً من نفسه من بعضٍ آخر حرص على التقاط صورةٍ مع الرئيس المكلَّف. فيما بعضهم الأخير، من بين صفوف الثورة، كما يدّعون، عرضوا "خدماتهم" بصورةٍ غير مباشرة، وذلك بالإعلان أن علينا أن ننتظر تشكيل الوزارة حتى نأخذ فكرة عن برنامجها، وعن تشكلها، قبل أن نحكم عليها، أن نكون "إيجابيين"، "واقعيين"، "بنّائين".. إلخ. ولكن الجميع في هذه الفئة نالَ شهرة إضافية، أو شهرة غير مسبوقة، بفضل هذا الدور المستجد في الحدث الجديد.
ثمّة فئة أخرى "استشعرت" بنفسها، أو بإشاراتٍ لم نلحظها، بأنها مرشَّحة للوزارة الجديدة، ومن بينها فنانة مشهورة، في عالم الغناء الاستعراضي. استضافتها صحيفة "رصينة" لتعبّر عن حبها للثورة، وتعلّقها بما أظهرته من حرية للنساء اللبنانيات، وبأن مشاعر الأمومة عندها تحثّها على الاهتمام بالناس، والعطف عليهم، والانكباب على حلّ مشكلاتهم عبر الوزارة.
بعكس هذا الترشيح الذاتي نصف المبطَّن للفنانة المشهورة، كان إعلانٌ لافتٌ لمهرّج تلفزيوني، يعدّد فيه عبر الأثير الأسباب التي جعلته "يرفض" ترشحه لتولي وزارة الثقافة. بصرامة لا يعهدها، قال مآخذه على الحكومة، وصف مدى تعلّقه بالثورة ومبادئها، نفى الصفة الحزبية التي لصقت به منذ ظهوره على شاشة أحد الأحزاب الحاكمة...
مثله فعلَ أحد نجوم التوك شو اللبناني، نفى بالأصل شائعة ترشّحه لوزارة الإعلام، فيما 
"الشائعة" هذه لم يسمع بها غيره.. ولكن، أيضاً، ثمّة مرشحون اتصل بهم الرئيس المكلف، وسألهم لو كانوا يقبلون بالوزارة ، أكانوا من "الحِراك"، أم من المتسلقين على غصونه، أو البعيدين عنه .. منهم من زاره أصلاً في أولى أيام تكليفه، ومنهم من "وافق" على الترشّح بصمت، وبإكثاره من ظهوره على الشاشة. ومنهم من رفضَ صراحةً. وهؤلاء المرشحون لم نسمع بهم إلا عبر التواصل الشخصي، أو الإيحاءات التي بعثوا بها إلى هذا الوسط الضيق أو ذاك، أو بصور التقطوها لأنفسهم وهم وسط المتظاهرين. ومن بين هؤلاء، إعلامي التحق بالثورة بعدما اشتغل طويلاً في قناة تلفزيونية معاديةٍ لها؛ وصار يلقي على خيمها المحاضرات الحماسية.. وعندما أُعلن عن تكليف رئيس الوزراء الجديد، راح يظهر على الشاشة، ويعلن عن "رؤيته" ويفصّل "برنامجه"؛ ويلقي كلماتٍ متناثرةً يوحي بها أنه "قدّها وقدود". لكن الحظ خانه، أو هو أخطأ بحساباته. فلم نسمع بترشيحه إلا عبر التعليقات الساخرة. ثم انطفأ وهجه، واختفى عن الشاشة، مؤقتاً على الأقل.
مرشّح آخر، واحدٌ من رجال الأعمال "الناجحين"، يحظى بدعمٍ هائلٍ من صديقه الزعيم "المهندس" الفعلي للوزارة، كان نصيبُه من الفضيحة عظيماً: ما أن بلغ ترشّحه آذان شياطين مواقع التواصل الاجتماعي، حتى راجت عشرات الصور له، في أوضاع فاضحة، في ما يبدو أنه كباريه على درجةٍ وفيرةٍ من الصبايا الشقراوات شبه العاريات، وفي أوضاع "غير لائقة" على الإطلاق. خلال أيام، فاضت مواقع التواصل ورسائل "واتساب" بتلك الصور. وبعد صمت اعتُبِر طويلاً، أصدر هذا المرشّح بياناً يعلن فيه انسحابه من الترشّح للوزارة. وبقي اسمه معلقاً في أذهان المتابعين بصفته "المرشح صاحب الفضيحة الجنسية - الأخلاقية".
بقيت أخيراً طرائف اشتهر بها مرشّحون للوزارة. مثل زوجة ذاك المرشّح التي سارعت، بعد ورود اسمه، إلى إهداء "صاحب نعمة التسمية" ما طاب من نِعَم الفاخر والنادر. أو فضيحة تزوير "صغيرة"، خرجت إلى العلَن أيضا، بطلها مرشّح آخر لوزارة، وكانت كفيلةً بالاستغناء عن اسمه. أو طرْفة أخيرة: ذاك المرشّح للوزارة، مجرّد مرشح، الذي قام بتشكيل فريقه من المستشارين والمساعدين، ليكون متأهبا للحظة القدر هذه. وسوالف لا تنتهي لو كان المرء مهتماً بـ"ربرتوار" خاص بنوع كهذا من المصائر النبيلة.
والمهم يبقى أنه نظراً لتعدّدنا في لبنان، بطوائفنا (18 طائفة) وأهوائنا وتوجهاتنا، وبما أضافته الثورة من أبوابٍ جديدة إلى التواريخ الشخصية لمواطنين يحلمون بتجاوزها، أو ينكرون عن 
أنفسهم هذا الحلم، أو يرفضونه جملة وتفصيلاً... المهم أن العدد الإجمالي لهذه الشخصيات الجديدة قد يكون بلغ، بحسابٍ سريع، المئتين تقريباً، وربما أكثر. إذ لا نعلم تماماً ماذا يدور في الكواليس، ما لا يسرّبه المسرّبون. وهذا "حشدٌ" ضخم لشعبٍ لا يتجاوز عدده الأربعة ملايين.
أضِفْ إليهم الشخصيات الأربعة التي رُشحت لتأليف الوزارة الجديدة نفسها، وسبقت المكلَّف الأخير. ثلاثة منهم كلّفوا من نظام المحاصصة، واحترقوا سريعاً، كلٌ بوتيرته وبطريقته. الأول، لأنه مرفوضٌ بحدّة من الثورة التي كانت ما زالت في عزّ اتّقادها. والثاني، كانت مدة ترشيحه أقصر. والأرجح أنه هو الذي رفض، نظراً ربما لعمره المتقدّم (فوق التسعين). فيما الثالث تلقى، بعد مداولاتٍ أطول من الأوّلين، رفضاً قاطعاً من مرجعيته الدينية. فيما الرابع كان مرشّح بعض الثورة، نظراً لاحترامه ومهنيته، لم يرفض الترشّح كما رفض الثاني، ولم يقبل. ولا نجح على كل حال بالتكليف. وبقي "الفائز" الأخير، المكلف حالياً، أي منذ أكثر من الشهر... مئتي مرشح خلال شهر.
ماذا كانت مهمة هذا المكلّف الجديد؟ تأليف وزارة. ماذا كان يفعل من أجل هذا التأليف؟ يستشير "المعنيين" به، يأخذ علماً بقبولهم، أو رفضهم، أو تذبْذبهم. يطلع إلى عند رئيس الجمهورية مرّات، لم تعد تحصى، يتلقى الرسائل النصّية أو الشخصية أو المباشرة، أو المخابرات التلفونية، يستقبل مرشحين أقوياء أو ضعفاء... يقرأ ربما في تاريخ لبنان المعاصر، أو يستمع إلى عارفين. هذا جلّ "تجربته السياسية" في التأليف على ما نتخيَّل. وفي النهاية، قد يفشل، أو يفشَّل، كما نُجِّح.
ولكن ما هي حصيلة تجربته، كما حصيلة كل هؤلاء المرشّحين، الجدّيين أو الهزْليين، للوزارة، أو لرئاستها؟ لا شيء يُذكر .. بلى، شيء مهم. فمن الأدنى حظوظاً إلى أكثرهم، أضيف إلى سيرتهم الذاتية أنهم "رُشِّحوا"، أو "ترشّحوا"؛ أي صعدوا، ولو بالهزيل من الأدوار إلى المسرح السياسي، فأصبحوا "شخصيات"، في محيطهم الضيق بالحد الأدنى والمحيط الواسع بالأعلى. أُضيفَ إلى رأسمالهم الرمزي بند جديد. وصرتَ إذا قابلتَهم يلاقونكَ بصفتهم أعلى كعبا منكَ، أنتَ المواطن العادي، البسيط، الذي لم يرِد اسمه يوماً في دفتر التاريخ..