متلازمةٌ أكثر الرؤساء العرب

متلازمةٌ أكثر الرؤساء العرب

16 يناير 2020
+ الخط -
وقعت واقعة تبيضُّ منها الخوافي والقوادم في صعيد نورث كارولينا في الولايات المتحدة، جعلت المواطن الفقير لله تعالى سكوت ميلي، الذي تجاوز الأربعين حولاً، رساماً لا يُضاهى، بعد إصابته في حادث سير، ودخوله في غيبوبةٍ وسبات، عانى بعد اليقظة من اكتئاب وعطش شديد للحبر والرسم والألوان من غير درايةٍ سابقة، ونقلت صحفٌ عن أطباء قولهم: "إنَّ سكوت واحد من 33 شخصاً في العالم، يعانون من حالة نادرة تسمّى متلازمة سافان المكتسبة، والتي تقع لمصابين في الرأس، تبثُّ فيهم الإصابة قدرات الفن أو الموسيقى أو الرياضيات". رأينا متلازمة سافان في عدّة أفلام، مثل الفيلم الأميركي "رجل المطر" الذي أنتج في أواخر الثمانينات، ومسلسل "الطبيب الطيب"، وبطله جراح عبقري مصابٌ بالتوحد، وله مهارات كبيرة. وفيلم "اسمي خان"..
ومن هؤلاء المردة، عفاريت الإنس الذين خرجوا من قماقم التوحد، كليمونز الونزو، وهو نحّات طين أميركي أصيب في رأسه صغيراً، سبّبت له الإصابة إعاقةً في النطق والتعلّم، وكان ينحت أي شيءٍ بتفاصيله الدقيقة من الذاكرة، أو من رسومات الكتب، كما لو أن رأسه جهاز "سكانر"، ومنهم ستيفن وليتساير الذي لُقّبَ بالكاميرا البشرية لقدراته في الرسم، وإيلين بودرو "المرأة الخفاش"، أو "امرأة الغميضة"، التي تشخِّص الأشياء من وراء الجدران، وتعرف الوقت بدقةٍ من غير ساعة، ومنهم الموسوعة الحيَّة، كيم بيك، الذي كان يحفظ أكثر من اثني عشر ألف كتاب. بعد هذا التلخيص لنجوم هذه المتناذرة، نذكُر المؤلفين العرب الذين صبغوا بحبرهم نهر دجلة بالأزرق بعد احتلال هولاكو العراق، وهو الآن يصطبغ بالأحمر، وكل المؤلفين العرب كانوا موسوعيين، وتبلغ مؤلفات ابن الجوزي 519 مؤلَفاً فيها مجلدات، وبلغت مصنفاته الألفين، وكان الشافعي يغطّي صفحة الكتاب اليسرى بيده، حتى لا تعطل عليه حفظ اليمنى من غير توحد، ويُروى عن كثيرين أنهم كانوا يسمعون القصيدة من سبعين بيتاً فيردّونها لا يخرمون منها بيتاً، من غير أي إصابةٍ في الرأس، أو حادث سير، أو توحّد!
نأتي إلى متناذرة أخرى أصيب بها آلاف العرب، فتحوّلوا إلى شامانات، والشامان هو حكيم القبائل البدائية، تختاره القبيلة مرشداً روحياً، ويكون قد ابتلي بتجربةٍ روحيةٍ شاقة، فاكتسب الحكمة والحلم والصبر، مثل هنري شاريير، صاحب رواية "الفراشة" الرائعة، ومنهم، على سبيل الذكر لا الحصر، صلاح الدين الحموي، والدكتور براء السراج، الذي ألّف كتاب "من سجن تدمر إلى هارفارد"، وهما من عتقاء المعتقلات السورية، وهم بالآلاف، تجاربهم أغنى من تجارب المتوحدين المتناذرين، والتوحد الذي عانوه كان الحبس. وهناك أيضاً طبقة ثالثة من أصحاب هذه المتلازمة، وهم الرؤساء العرب، فهم جميعاً عباقرة، حكماء. الرئيس العربي متوحد أيضاً، في السلطة طبعاً، عنده إعاقة، كفيف أحياناً، لا يرى سوى نفسه، وهو الرئيس الأول، والقاضي الأول، والمعلم الأول، والطبيب الأول، إنه طبيبٌ وفيلسوف، يشخّص الحالة من وراء أعالي البحار والمحيطات من غير أن يراها..
الفرق بين المصابين بـ"المتلازبة"، وهي أعمُّ من المتلازمة وأعلى رتبةً، وعتقاء المعتقلات العربية، هو أنَّ مصابي المتناذرة يُصابون بها فجأة. أما المعتقلون فيكتسبونها ببطء بعد عقود من السجن والعذاب. أما الرئيس العربي، فهو غالباً شاويش، شديد الطاعة لرؤسائه في الغرب، متآمر، وبجلوسه على الكرسي يكتسب تلك المتلازمة، بضربةٍ في رأس المجتمع الذي يحكمه، فيصاب المجتمع بإعاقةٍ دائمة، فيصير هو رجل الكاميرا التي لا تُفارق ظله، ورجل الصندوقين؛ صندوقي الانتخابات والبويا، بدليل إعجاب ترامب بنعل عبد الفتاح السيسي اللامع، يشخّص الأشياء بعيون المخابرات، وينال مديحاً أكثر من كل هؤلاء العباقرة، ويترك بصْمَتَه على كل شيء، وهو ليس بحاجةٍ إلى أن يقرأ كتاباً، أو يحفظ كتاباً، وهو لا يجيد حتى قراءة صفحة واحدة، ولا يكاد يبين، إنَّه صاحب إعاقة دائمة، ميؤوس من شفائه، لكنه إمام الأمّة وقائدها، وهو ابن الشعب في شبابه، وأبوه في شيخوخته. موهوبٌ برسم مصير الأمة ومستقبلها، خطابه موسيقاها، هو جرّاح أمراضها، يدِّمر شعبه برمشة عينه الجارحة.
683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر

كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."