إضاءة على عُمان

إضاءة على عُمان

13 يناير 2020
+ الخط -
الأخبار من عُمان وعنها شحيحةٌ. لا نستشعر، نحن الإعلاميون، لدى المسؤولين في هذا البلد الخليجي غراماً بالصحافة، الأمر الذي ساهم في الكسل الظاهر في الصحافات العربية تجاه السلطنة، سيّما في العقدين الأخيرين، بشأن متابعة ما يستجدّ فيها من قضايا ووقائع، وبشأن معرفةٍ أوْفى بمشاغل ناسِها. وفي البال أن انتخابات مجلس الشورى (86 عضوا) التي جرت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وكانت إلكترونيةً في كل مراحلها، وعرفت زيادةً في نسب التصويت، لم تنل من الإعلام العربي ما تستحقّه من اهتمامٍ لازم. ويُؤمل، في انعطافة عُمان من عهدٍ إلى عهد، مع وفاة السلطان قابوس بن سعيد، وتأدية هيثم بن طارق اليمين سلطانا جديدا للبلاد، يُؤمل أن نعرف السلطنة أكثر وأكثر، وفي البال إنها شهدت شيئاً من الربيع العربي في غضون ثورات العام 2011، لمّا سارت، في بعض مدنها ومحافظاتها، ومنها العاصمة مسقط، مظاهراتٌ احتجاجيةٌ طرحت مطالب بإصلاحاتٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ، غير أن ما يحسُن أن نتذكّره، في صدد تلك اللحظة، أن حناجر الشباب المحتجين لم تأت أبدا على "إسقاط النظام". وعلى الرغم من إحراق سيارات حكومية وحوادث تخريبٍ في بعض تلك الاحتجاجات التي استمرّت أسابيع، إلا أن هناك من هتف في مسيراتها بأنهم "يد واحدة مع السلطان ضد الفساد". ومما في البال أيضا أن قابوس أوفد مبعوثا من ديوانه التقى محتجّين في أحد الميادين، وأنه سارع إلى إجراء تعديل حكومي، أزاح فيه وزراء ومسؤولين ممّن طالبت الاحتجاجات برحيلهم عن السلطة (أحدُهم مسؤول عن جهاز أمني)، كما أصدر مرسوما بتوسيع صلاحيات مجلس الشورى المنتخب، وكان هذا من مطالب المظاهرات أيضا، ومن ذلك انتخاب المجلس رئيسَه بدل تعيين السلطان له كما كان جاريا. وإلى إجراءاتٍ غير قليلة، على غير صعيد (استقلال جهاز الادّعاء العام مثلا)، أمر السلطان قابوس بتقديم منحٍ لأعدادٍ من العاطلين. وليس منسيّا أنه أصدر تاليا عفوا عن الذين تم اعتقالهم في الأحداث (باستثناءاتٍ محدودة).
لم يكن النظام في عُمان مهدّدا، وقد تعامل، إلى حدٍّ كبير، مع ما جرى بحكمةٍ، ومعلومٌ أن هذا البلد الخليجي يشهد متاعب اجتماعية واقتصادية، من عناوينها ارتفاعُ نسبة البطالة بين شبابه وشابّاته، وبحسب صندوق النقد الدولي، قبل أزيد من عام، السلطنة هي أعلى دول المنطقة الخليجية في نسب البطالة. وعلى ضوء هذا الحال، أصدر السلطان قابوس في فبراير/ شباط الماضي مرسوما بإنشاء "المركز الوطني للتشغيل لتوفير الوظائف". وفي البال أيضا أن السلطنة تبدأ العام الحالي (2020) تنفيذ "رؤية 2040"، والتي تولّى رئاسةَ لجنتها التي أشرفت على صياغة برامجها المتعلقة باقتصاد عُمان وقطاعاته، هيثم بن طارق، سلطان البلاد الجديد، والذي قال مرّة إن تشريعاتٍ عديدةً ستتم إعادة النظر فيها، مع بدء هذه الخطّة المستقبلية الطموحة، والتي قال أيضا بصددها إن برنامجها الأساسي هو "ما يتطلّع إليه الشباب العُماني". ومعلومٌ أن السلطان هيثم بن طارق، الموصوف بأنه شديد الهدوء، سبق أن ترأس هيئات رياضية، وكان وزيرا للثقافة والتراث، وظلّ على اتصالٍ بأسئلة شباب بلده وتطلّعاتهم، والآمال الآن أن يلقى هذا الشباب منه، وهو القائد الجديد لبلدهم، كل رعاية وعناية.
المغزى من الإتيان هنا على بعض العناوين الاجتماعية والاقتصادية الداخلية العُمانية هو التأشير إلى أن هذا البلد الناهض، والذي كان في تخلّفٍ فادح لمّا تولّى الحكم فيه قابوس بن سعيد العام 1970 يواجه ملفاتٍ غير هيّنةٍ على غير صعيدٍ معيشيٍّ يتعلق بمواطنيه. ولمّا كانت الرؤية التي قامت عليها الدبلوماسية العُمانية منذ أكثر من أربعة عقود هي النأي عن النزاعات والمحاور الخارجية والإقليمية، والحوار مع الجميع (بما فيهم إسرائيل)، فذلك بناء على منظورٍ يتأسّس على أن حماية الاستقرار الداخلي والحفاظ عليه يلزمهما استقرارٌ في الإقليم والجوار .. والسياسة العُمانية تبقى فريدةً عربيا، ومُفاجئة أحيانا، الانفتاح على جميع أطراف الصراع في اليمن، والتواصل المستمر مع النظام السوري، ورفض تحويل مجلس التعاون الخليجي اتحادا، وكذا رفض العُملة الخليجية الموحّدة، والعلاقات القوية مع إيران والولايات المتحدة، وإبقاء العلاقات مع مصر أنور السادات إبّان "كامب ديفيد"، كلها وغيرها كثير، من بعض ما يُسعف في معرفة فرادة السياسة العُمانية التي أرساها قابوس، وقال هيثم بن طارق إنها مستمرة..
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.