إسرائيل واغتيال سليماني

إسرائيل واغتيال سليماني

13 يناير 2020
+ الخط -
ذكرت شبكة أن بي سي الأميركية أن جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) زوّد الولايات المتحدة بالمعلومات الدقيقة عن مكان وجود قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، عند خروجه من مطار بغداد عند اغتياله. وكانت الصحافة العبرية تحدثت عن إطلاع إدارة ترامب حكومة بنيامين نتنياهو المسبق باستهداف سليماني، وثارت احتمالات بمشاركة إسرائيل في العملية، إذ ذكرت صحيفة هآرتس أنّ من غير المستبعد أن تصدر في الولايات المتحدة، وخلال أيام، تقارير تدلّل على أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية قدّمت إسهاماتٍ ساعدت في الاغتيال، مشيرة إلى أن التعاون الأمني والاستراتيجي بين تل أبيب وواشنطن عميق وواسع.
وفي المقابل، ارتفعت تحذيراتٌ إسرائيليةٌ من عواقب ضارّة على دولة الاحتلال، ولعل هذا التخوُّف كان له أثر في تصريحات نتنياهو التي قال فيها، في اجتماع لحكومته الأمنية، الإثنين الفائت: "إن اغتيال سليماني ليس حدث الإسرائيلي، ولكنه حدث الأميركي. لم نشارك، ولا يجب أن ننجرّ فيه". ولا يعني ذلك أن حكومة نتنياهو تعارض تصفية سليماني، فالأخير رقم صعب، ورأس الحربة في تكريس النفوذ الإيراني الذي حاربته وتحاربه إسرائيل، في سورية 
تحديدا، بمنع التموضع الإيراني هناك، سيما عسكريا، وعملت بالتنسيق مع روسيا وأميركا على إبعاده، أولا، عن الحدود الشمالية، وفي لبنان، بمحاولاتٍ جِدِّية هدفت وتهدف إلى منع إيصال الأسلحة الدقيقة والكاسرة للتوازن إلى حزب الله. وهي في ذلك متفقة وبقوة مع ملاحقة أميركا النفوذ الإيراني في المنطقة. وفي آخر تغريدات وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، كتب: "لقد تحدثت للتوّ مع نتنياهو، وشدّدنا على أهمية مواجهة نفوذ إيران الشرير والتهديدات للمنطقة. دائما أشعر بالامتنان لدعم إسرائيل الثابت قهر الإرهاب". ولكن نأي نتنياهو بإسرائيل عن حدث اغتيال سليماني جاء مذهلاً، بشكل خاص؛ لأنه، كما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية، كان أحد أقوى مؤيِّدي ترامب على الساحة العالمية.
قد تتفهّم أميركا وترامب هذا الموقف الإسرائيلي؛ بسعيها إلى تجنّب شرَر المعركة التي كان يخشى وقوعها، سيما وأن التهديدات الانتقامية الإيرانية أخيرا طاولتها. وهي تعمل على تحييد حركات المقاومة في قطاع غزة، من خلال "تسهيلات" معيشية لأهل القطاع، وبالسعي إلى هدنة معها. وقد تكون الولايات المتحدة راغبة في هذا الموقف، من دولة بخصوصية إسرائيل؛ المحتلة، والمثيرة لاحتشادٍ واصطفافٍ عربيٍّ ما، ضدّ كل ما هو إسرائيلي، مقابل التفاف عربي شعبي حول كلّ من يظهر بصورة المحارب لها، والمستهدَف منها. وكان هذا هو دافع إدارة جورج بوش الأب إلى الطلب من إسرائيل الامتناع عن التدخل في حرب الخليج الثانية، 
1991، والتي صبّت في النهاية في صالح دولة الاحتلال، استراتيجياً.
ولكن إسرائيل، في المقابل، رأت نفسها، بهذا الموقف، محتاجةً إلى النأي بنفسها، قليلا، عن التماهي مع ترامب الرئيس المتقلِّب، والانفعالي، والذي لا يقدّم دلائل على توفّره على استراتيجية خارجية، وهي غير مرتاحة إلى تحوُّلاته، أو إلى بعضها، على الأقل، سيما المتعلِّقة برغبته في الانسحاب من المنطقة، أو تخفيف الوجود الأميركي العسكري المباشر، في هذه الفترة الخطيرة من تاريخ المنطقة. ولذلك رأى معلقون إسرائيليون أن نجاح الرهان على اغتيال سليماني يحدّده الأثر الذي يتركه على الانسحاب الأميركي من المنطقة. ويتضح التحسُّب الاحتلالي من غياب اليقين تجاه استراتيجية ترامب في سعي إسرائيل إلى توثيق علاقاتها مع موسكو التي شغلت فراغا كبيرا في سورية.
ولا يقلّ أهمية في دوافع هذا الموقف الارتدادات التي تخشاها إسرائيل على صورتها في الولايات المتحدة، حين يجري الربط بين حربٍ أميركية ممكنة مع إيران ودولة الاحتلال، بوصفها المحرّض عليها، أو المتسبِّب فيها، في وقتٍ لا يحبِّذ معظم الأميركيين مثل هذه الحرب، حتى ترامب نفسه كان خطابه يصبّ، ويتماشى مع هذه التوجُّهات غير الراغبة في مزيدٍ من التورُّط في منطقةٍ نزاعاتُها لا تنتهي.
وفي هذا السياق، انتقد كبار المعلقين العسكريين في دولة الاحتلال، إقدام القيادات السياسية على
 خطواتٍ تربط إسرائيل باغتيال سليماني. وقال المعلق العسكري في قناة التلفزة "13"، ألون بن دافيد، إنه لم يكن هناك ما يسوغ أن يقدم وزير الدفاع نفتالي بينيت على عقد اجتماع أمني يضم قادة الجيش والموساد للتباحث في تداعيات اغتيال القائد سليماني، مشيراً إلى أن هذه الخطوة بدت كأنها مؤشر على أن لإسرائيل علاقة بهذا التطور.
وفي المحصلة، تبقى إسرائيل حليفًا استراتيجيا للولايات المتحدة، وليس بالضرورة أن تتطابق معها دوما، سيما في تعاطي واشنطن مع أزمات المنطقة، وفي هذه الفترة الهائجة والخطيرة، وهي تحاول أن لا تبني مواقفها، بشكل مطلق، على التوافق مع ترامب، والقطع مع الحزب الديمقراطي الذي ينتقد الأخير في كثير من مواقفه، كما حصل بالذات في اغتياله سليماني، من دون الرجوع إلى الكونغرس. وإسرائيل، بعد ذلك، تدرك تأثير ترامب، بشكل ما، في إثارة العنصرية ضد اليهود في أميركا، كما تدرك خطورة التعويل الكلي عليه، وهي تراه بهذه العقلية التي لا تخلو من تقلّب.