بريطانيا: المؤسسة تُسقط الفرد

بريطانيا: المؤسسة تُسقط الفرد

08 سبتمبر 2019

ناشط في مظاهرة في لندن ل "حماية الديمقراطية" (4/9/2019/Getty)

+ الخط -
للوهلة الأولى، ومع إعلان رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، تعليق عمل البرلمان لشهر، تمهيداً لإمرار الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، ظن الجميع أن الرجل سينجح في مسعاه، وخصوصاً بعدما باركت ملكة بريطانيا الطلب الذي تقدّم به جونسون. تحدّث الجميع عن أن الخطوة هي بمثابة انقلاب دستوري، واختلفت التفسيرات بين أحقية رئيس الوزراء في هذا الطلب، مستنداً إلى أن حكومته جديدة، وبالتالي تحتاج إلى خطاب افتتاحي من الملكة، وبين من رأى أن الحكومة ليست جديدة، وهي استكمال لولاية رئيسة الوزراء السابقة، تيريزا ماي. 
لكن بغض النظر عن التفسيرات، والسجال بشأن موقف الملكة، وما إذا كان باستطاعتها رفض طلب جونسون، وتسجيل سابقة في تاريخ المملكة، ترقب الجميع ما إذا كان بإمكان البرلمان البريطاني، باعتباره من أعرق المؤسسات البرلمانية في أوروبا والعالم، الوقوف في وجه جونسون وطموحه الجارف لتكريس حكم الفرد، أسوة بأمثولته دونالد ترامب في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن الفترة بين تعليق عمل البرلمان واستئنافه كانت قصيرة نسبياً، من الثالث من سبتمبر/ أيلول (موعد عودة البرلمان من الإجازة) والرابع عشر من سبتمبر (تاريخ التعليق الذي أراده جونسون)، إلا أن النواب البريطانيين لم يحتاجوا إلى وقتٍ كثير لتوجيه الضربة تلو الأخرى لجونسون، والذي بات على مشارف نيل لقب "أسوأ رئيس وزراء في تاريخ بريطانيا".
الضربة الأولى كانت بخسارة جونسون غالبيته البرلمانية، في مشهد تلفزيوني لم يسبق له مثيل، فالحكومة البريطانية تملك أغلبية بفارق صوت واحد عن المعارضة، وهو ما سقط على الهواء مباشرة بانتقال أحد نواب المحافظين من معسكر حزبه إلى الطرف المقابل من قاعة البرلمان، والمخصّص لنواب المعارضة، وذلك في أثناء إلقاء جونسون كلمته. كانت هذه مجرد البداية، تبعها إصدار القانون الذي يمنع رئيس الوزراء من المضي في مخططه للخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، والذي كان ينوي تنفيذه في الحادي والثلاثين من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وبالتالي طلب تمديد الخروج إلى مطلع عام 2020، ريثما يتم التوصل إلى اتفاقٍ مرضٍ للطرفين للخروج أو عدمه. يبدو أن جونسون لم يستوعب صدمة انهيار أمانيه "الترامبية"، وهو الذي نال قسطاً كبيراً من مديح الرئيس الأميركي باعتباره "الرجل القوي في بريطانيا"، إذ ها هي القوة البرلمانية تثبت أنه أقل من ضعيف، ومكبّل بحكم مؤسساتي يلجم أي شطحات فردية كان في نيته اللجوء إليها. وهو ما جعله يفقد أعصابه على المنبر ويهاجم النواب المعارضين، بعنصرية، ويدعو إلى الاختيار بينه وبين زعيم المعارضة، والمقصود رئيس حزب العمال جيريمي كوربين.
انطلاقاً من هذه الدعوة، جاءت المقامرة الخاسرة الأخيرة لجونسون، والذي أراد اللعب على وتر الدعوة إلى انتخابات مبكرة في الرابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، في إطار مسعاه لاستعادة قوة المحافظين البرلمانية، رغم أن هذه الأمر غير مضمون، لكنه كان مستعداً لرمي كل أوراقه على الطاولة دفعة واحدة، إلا أن محاولة المقامرة هذه أيضاً سقطت أمام جدار المؤسسة البرلمانية البريطانية، والتي رفضت طلب رئيس الوزراء. وعلى الرغم من أن الانتخابات المبكرة كانت مطلباً لبعض الأحزاب المعارضة، وفي مقدمتها العمال، غير أنها لا تريدها وفق الرؤية والموعد اللذين يريدهما جونسون، والذي يبدو أنه متجهٌ إلى خسارة أخرى في التصويت على الانتخابات المبكرة المقرّر غدا الاثنين.
كل هذه التطورات، والتي لم تستغرق أكثر من ثلاثة أيام، كانت متعةً للمشاهدة عبر البث الحي في التلفزيونات البريطانية. متعة تؤكد أن مواجهة حكم الفرد لا تزال ممكنة، إذا تأمن لها الأدوات الديمقراطية اللازمة.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".