الأردن: خريف الرّزاز وغضب الجماهير

الأردن: خريف الرّزاز وغضب الجماهير

08 سبتمبر 2019
+ الخط -
بعد شبه الإغلاق المروري في عمّان يوم الخميس الماضي، إثر دعوة نقابة المعلمين في الأردن إلى التجمهر في منطقة الدوّار الرابع، حيث مقر رئاسة الوزراء، للمطالبة بحقوق المعملين في علاوة المعلم التي تقول نقابتهم إنه تم الاتفاق عليها مع الحكومة السابقة في عام 2014، بدا أن الحكومة الحالية برئاسة عمر الرّزاز تواجه أزمة بقاء وإدارة أزمات، وهو ما يعني تراكما للفشل، وبداية لطريق خروج رئاسة هذه الحكومة من الدوّار الرابع. 
الإغلاق المروري الذي شلّ العاصمة عمّان، مع ما رافقه من مقاومة أمنية للتجمهر ومنع، مصحوباً بسلسلة اعتقالات، أعاد التنبيهات السابقة التي صدرت من أكثر من جهة، جرّاء ضعف أداء حكومة الرزاز في إدارة الأزمات، والمخاوف من عودة الجمهور إلى الشارع، وهذه المرّة بيد المعلمين الذين يحصدون تضامناً شعبياً جرّاء الموقف الحكومي المتعنت في خيار المنع، لمواجهة حق المعلمين في التعبير عن مطالبهم، وهو خيارٌ يُحمِّله الجمهور لوزير الداخلية سلامة حماد، الملقب شعبياً بـ "صانع الأزمات".
الاحتجاج الذي حدث، وجدّدت الدعوة إلى استمراره بصيغة إضراب للمعلمين، دفع كثيرين إلى إصدار التنبيهات المحذّرة من بقاء حكومة الرزاز التي واجهت أزماتٍ عديدة منذ تشكيلها بارتباك عنوانه فقدان التنسيق والانسجام بين الفريق، وهذا ما تكرّر منذ أزمة التشكيل، ثم أزمة فاجعة البحر الميت (أكتوبر/تشرين الأول 2018) ثم سيول عمّان (فبراير/شباط 2019) وأخيرا أزمة مناهج التعليم، ثم إضراب المعملين.
فاجعة الأردنيين بحكومة الرزاز لا حدّ لها، كما تتبدّى في تصريحاتٍ مختلفة ممن تفاءلوا به رجل إصلاح، فكيف للرجل الإصلاحي الذي جاء بخطاب النهضة ودولة الإنتاج والعقد 
الاجتماعي، أن يسمح بقمع المعلمين، في حين كان مجيئه أصلاً على أكتاف الجماهير التي أغضبت حكومة سلفه هاني الملقي، فيكون زمن الملقي الذي لم تطلق فيه قنبلة غاز واحدة أرحم من زمن الرزاز الذي قمعت حكومته المحتجين بالغاز المسيل للدموع والاعتقالات، ما أحدث حالة إصرار عند المعلمين للبقاء على مظاهر الاحتجاج. وعلى الرغم من منع الحكومة وصول الجمهور إلى مركز الاحتجاج، إلا أن المعملين نجحوا في فرض إرادتهم، وإبلاغ رسالة إلى الحكومة أنها غير قادرة على التعامل مع أزمة راهنة وكبيرة، ستقود إلى تصعيد كبير مستقبلاً.
وفي أوساط النخب، يتفق الجميع على أن حل الدورة الاستثنائية لمجلس النواب سوف يجعل الحكومة في مواجهة الشارع وحدها، وصولاً إلى بداية الشتاء، ما يبقي الحكومة في حالة خريف سياسي منفردةً في مواجهة الشارع الأردني الغاضب من خيارات الحكومة في التعامل مع الأزمات، وفي قراراتها.
تزامنت أزمة الخامس من أيلول (الخميس الماضي)، مع زيارة الملك عبد الله الثاني بيت رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة الذي يُعدّ من زعماء التيار المحافظ الأردني، في مواجهة التيار الليبرالي. وفي اللقاء، سمع الملك آراء في إدارة البلاد وأزماتها ومشكلات التعليم، والتي تحيل الأردن إلى أزمة مستقبلية جرّاء اختلالاتٍ كبرى. ولم يكن الروابدة راضياً عن التيار الليبرالي يوماً، وواجههم، ودافع عن رؤيته في إدارة البلد، في محاضرة له في 28/11/2018، اعتبر فيها أن الأردن على عشر حوافّ صعبة العبور، وأن أكبر مهدّد للاستقرار الوطني هو أزمة الإدارة. وهو ما أكده الملك في دارة الروابدة الذي قال إن الملك، في لقائه الخاص الذي استمر ساعتين، بدا مرتاحاً في موضوع العلاقات العربية مع الأردن. واستشف الروابدة أن الملك يُحضر لقرارات تغييرية مطلع الشتاء، وهو أمر يتفق معه رئيس الوزراء الأسبق، عبد الله النسور، في حديث خاص مع كاتب المقال.
على الأرض، تواجه حكومة الرزاز خريفاً ساخناً، مصحوباً بغضب جماهيري يزداد، ليس على شخص الرزاز، بقدر ما هو على نتائج عمل حكومته بالجملة، خصوصا على سياسة وزير 
داخليته، سلامة حمّاد، والذي يمنح وجوده الجمهور سبباً موضوعياً للغضب. أما الموقف السياسي للأحزاب الأردنية، فقد عبّر عنه بيان تيار الأحزاب الإصلاحية الذي دان السياسة القمعية للحكومة، وأعلن تضامنه مع المعلمين باعتبارهم أصحاب حق. وأن في الوسع حل مشكلاتهم بتدرّج. وفيما تواصلت الجهود لإقناع المعلمين بالعودة عن الاحتجاج، إلا أن الخيارات باتت قليلة، ولعل أفضلها جدولة منح العلاوة على خمس سنوات مقبلة، كل سنة 10% من الزيادة التي تقول النقابة إنه تم الاتفاق عليها. فلا سبيل أمام المعلمين للعودة إلى مدارسهم من دون إنجاز، وإن كانت مالية البلاد صعبة، إلا أن رؤية الناس اختلال الإدارة المالية التي أعلنت عنها تصريحات الفريق الاقتصادي أخيرا في تقدير دعم الخبز وفي ارتفاع الديون والبطالة، كفيلة بإبقاء حالة الغضب والاحتجاج قائمة من دون رجعة عن مطالب معيشية للشريحة الأهم من العاملين في الأردن.
في الأثناء، كان لافتا تصريح وزير التخطيط، محمد العسعس، أن الأردن أهم من البنك الدولي، وعمل ما يستطيع من إصلاحات وبشكل استثنائي، إذا ما ربط هذا القول بتسريبات عن تقديم وزير المالية، عز الدين كناكريه، استقالته قبل أيام، بعد رفضه طلباً من رئيس الحكومة بالاقتراض من مؤسسات دولية، وهو أمر تؤكده تصريحات خاصة وغير معلنة لنائب رئيس الحكومة رجائي المعشر، مفادها بأن الخيار الأفضل للأردن هو الخروج من برنامج البنك الدولي الإصلاحي النقدي باتجاه بديل وطني، عنوانه، بحسب المعشر، "الاعتماد على الذات".
هذا كله يعني أن الرزاز بات وحيداً في مواجهة حصيلة إرادات شعبية ونخبوية وأمنية، في ظل عودة المواجهات والغضب في عدة صور، منها أحداث مدينة الرمثا قبل أيام، وصولاً إلى احتجاجات المعلمين، والقادم خريف أصعب، مع أن إمكانات البقاء ما زالت ممكنة، في حال قرّر الرزاز أن يختم عمر حكومته بإنجازات فارقة عنوانها استعادة الثقة في الجمهور والإدارة العامة.
F1CF6AAE-3B90-4202-AE66-F0BE80B60867
مهند مبيضين
استاذ التاريخ العربي الحديث في الجامعة الأردنية، ويكتب في الصحافة الاردنية والعربية، له مؤلفات وبحوث عديدة في الخطاب التاريخي والتاريخ الثقافي.