عن حسن نافعة

عن حسن نافعة

01 أكتوبر 2019
+ الخط -
يُختار هنا أستاذ العلوم السياسية، الأكاديمي المصري حسن نافعة (72 عاما)، من بين نحو ألفين احتجزتهم السلطات المصرية، بعد مظاهرات "20 سبتمبر"، لتختصّ به هذه المقالة، لأن الرجل حالةٌ على شيءٍ من الخصوصية في النخبة المصرية، الناشطة في المشهد الإعلامي، وفي النقاش السياسي العام، ضد نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، من حيث صفته (نافعة) أكاديميا، أي بحسبانِه مثقّفا، ربما يُدرِجه موقعُه في داخل أسوار الجامعة (أستاذ في جامعة القاهرة منذ 1978) في فئة المثقف العمومي، غير أن الرجل ظلّ حاضرا وصاحب صوتٍ ودور، بل وفاعلا في غير مناسبة، فأزاح نفسَه من ذلك التصنيف، وصار في الوسع اعتبارُه مثقفا ثوريا في أدوارٍ أدّاها، ومواقف تبنّاها، وأنشطةٍ انخرط فيها ميدانيا، وفي أحيانٍ مغايرة كان مثقفا إصلاحيا. ومع تقديرٍ مستحقٍ لأساتذة وازنين في الجامعات المصرية، حافظوا على استقلاليتهم الفكرية، ودافعوا عن مطالب اجتماعيةٍ معلنة، لا يفتئتُ المراقب لو قال إن هؤلاء يتناقصون، فيما يزداد باضطراد في الوسط الأكاديمي المصري المثقفون التقنيون، أو المدرسيون بحسب تسميةٍ جائزة، ممن في وسعهم، مثلا، تلبية حاجة الفضائيات العربية لتوفير إيضاحاتٍ في شؤون، تخفُت فيها مقادير السياسة، ويعلو فيها منسوب المعرفي المحض. ومن غرائب منظورةٍ أن هذه الفضائيات عندما تحتاج تسويق أطروحاتٍ ذات غرضٍ سياسيٍّ معيّن ستلقى من هؤلاء من يزوّدونها بعتادٍ معرفيٍّ لازم، ولن تعدم فضائياتٌ أخرى غيرَهم في حاجتها لتسويق أطروحاتٍ مخالفة. وإلى هذه الفئة، ثمّة مثقفو السلطة الوفيرون في الوسط المتحدّث عنه. وهناك الأستاذ الجامعي المطبوع بالأكاديمية المجرّدة، ذات النزوع التقني العلمي، وطُرُق أصحاب هذا السّمت أيسرُ إلى تسلم مسؤولياتٍ حكوميةٍ، وزاريةٍ وغيرها. 
يبدو حسن نافعة في هذه الخريطة حالة نافرة، تذكّر، إلى حد كبير، بما كانه الراحل عبد الوهاب المسيري، أستاذ الأدب الإنكليزي في جامعة عين شمس، والذي وازى حضورَه باحثا وصاحب منجزٍ أكاديميٍّ وثقافي رفيعٍ مع فاعليته الحركية في مناهضة نظام حسني مبارك، الأمر الذي عرّضه لإساءاتٍ ساقطةٍ من سلطات ذلك النظام. وبعيدا عن أي آراءٍ لأيٍّ منا بشأن اجتهاداتٍ للدكتور نافعة، أو اصطفافاتٍ زاولها، فإنك ستمحضه تقديرا يستحقّه، وهو الذي تسلّم في طورٍ من "حراكه" العام مسؤولية النشاط الثقافي في نادي أعضاء هيئة التدريس في جامعة القاهرة. ولم يُبعده انقطاعُه لتأليف الكتب عن الأمم المتحدة واليونسكو، وفي العلاقات الدولية والصراع العربي الإسرائيلي (أمثلة)، عن الانتظام في تشكيلاتٍ غير حزبية، مدنيةٍ أهلية جمعويةٍ عريضة، نشطت في السنوات العشر الأخيرة من حكم مبارك ضد محاولات توريث نجل الأخير حكم مصر، وضد استمرار ذلك الحكم نفسِه، فقد عمل نافعة منسّقا للحملة المصرية ضد التوريث، ثم للجمعية الوطنية للتغيير التي تعدّ من التعبيرات فائقة الأهمية في انعطافة مصر باتجاه ثورة يناير. وإلى هذا كله (وغيره) يعرفه زملاؤه في الأكاديميا العربية أمينا عاما للجمعية العربية للعلوم السياسية، وأستاذا في غير جامعة عربية، وأمينا عاما لمنتدى الفكر العربي في عمّان.
اختار حسن نافعة معارضة حكم الإخوان المسلمين في عام رئاسة محمد مرسي، وكان من الموقّعين على استمارة حركة تمرّد التي مهّدت للانقلاب العسكري المعلوم. وطالب، في تلك الأثناء، بانتخاباتٍ رئاسية مبكرة، وبسط، في كتاباتٍ ومحاوراتٍ معه، أسباب خيارِه هذا. ثم في سنوات حكم السيسي، سيما الأخيرة، واظب، بهمةٍ عاليةٍ، في توجيه انتقاداتٍ شجاعةٍ ضد النظام وممارساته وأجهزته وتجفيفه الحياة السياسية، في تغريداتٍ ومشاركاتٍ تلفزيونيةٍ ومقالاتٍ جعلته الصوت الأشجع، من داخل مصر، في مناوأة النظام، من بين النخبة المثقفة والأكاديمية، سيما بعد اعتقال ناشطين كثيرين.. وها هو توجّه له النيابة العامة ثلاث تهم، إذا ما تم تزبيطها لملفّه، فإن سنواتٍ سيُمضيها في السجن لا قدّر الله. وهنا لا بد من الانتصار لحرية حسن نافعة (نطالبه هنا بتذكّر المعتقلين في سجون بشار الأسد الذي كان يُمالئه!)، والعمل على تحريره، فهو سجين رأي شجاع، وقد بقّ البحصة غير مرة، سيّما عشيّة حبسه، لما غرّد، صادقا، إن استمرار حكم السيسي المطلق سيقود إلى كارثة في مصر.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.