غانتس ونتنياهو وهذا الجدال

غانتس ونتنياهو وهذا الجدال

30 سبتمبر 2019
+ الخط -
أما وأن أهل مكة أدرى بشعابها، فإن هذا لا يمنع من يتابع النقاش (أو السجال) الحادث منذ أيام، بشأن توصية عشرة من النواب الثلاثة عشر في القائمة العربية المشتركة في البرلمان الإسرائيلي، المنتخب أخيرا، بتولّي رئيس حزب أزرق أبيض (كاحول لافان)، الجنرال بيني غانتس، رئاسة الحكومة الإسرائيلية، لا يمنعه أن يُدلي بدلوه، سيما إذا ساندته مستجدّاتٌ بشواهد ترجّح وجاهة ما قد يدلي به. ومنها أن جلسة مفاوضات قائمة الحزب المذكور مع قائمة الليكود برئاسة نتنياهو، أمس الأحد، فشلت في التوافق على صيغة تشكيل الحكومة، ثم تبارى الطرفان في تحميل بعضهما المسؤولية عن هذا الفشل، مع اتفاقهما على جولة تفاوضٍ أخرى بعد غد الأربعاء، اليوم الذي سيسمع فيه المستشار القضائي للحكومة من نتنياهو ردودَه على اتهامه بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال، على أن يَستكمل السماع في اليوم التالي. والواضح أن نتنياهو، مسنودا من رئيس دولة إسرائيل، الليكودي رؤوفين ريفلين، "يستقتل" من أجل أي تفاهمٍ يُنجيه من المسار القضائي، بأن يبقى رئيسا للحكومة، الأمر الذي سيعرّضه لاستنزافٍ مضنٍ في المفاوضات مع غانتس، مجرم الحرب الذي يستكشف خياراتِه، ولا يضغط الوقت عليه كما حال نتنياهو الذي جاءت أخبارٌ على أنه فتح خطوطا مع رئيس "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان، لاسترضائه باستعادته إلى مواقع ليكودية متقدّمة في الحزب وفي الحكومة، إذا أراد. 
مؤدّى هذا الحال أن ذهاب إسرائيل إلى انتخاباتٍ ثالثةٍ مُعادةٍ احتمالٌ قائم، وإنْ يبدو مستبعدا، أقلّه حتى الآن. وأن الجوهري في كل الالتباسات الظاهرة بشأن البحث عن حكومةٍ تُلملم وزراءَها من خرائط اليمين الاستيطاني والديني وجنرالات جرائم الحرب الموصوفة أن مساحات التوافق بين هذه المكوّنات في الموضوع الفلسطيني عريضةٌ جدا، ومن قرائن وفيرة دالّة على هذا أن الجنرال غانتس عقّب على تلويح نتنياهو، في أثناء الحملة الانتخابية، بضم ثلث الضفة الغربية، بالقول إن الأخير يسرق فكرَته. ولأن أمر هؤلاء هو كذلك، يصير بالغ الأهمية أن يُلاحَظَ ما تنطق به أوساط غانتس إن التوصية التي صدرت عن القائمة المشتركة به رئيسا للحكومة تضرّه، ولم يكن في حاجةٍ لها، وكذا ما نقلته مصادر عبريةٌ عن ريفلين قوله إن حيازة نتنياهو توصية 55 نائبا مستعدّين لدخول حكومةٍ برئاسته كانت وراء تكليفه الأسبوع الماضي بتشكيل الحكومة، فيما حاز غانتس توصية 44 نائبا لديهم هذا الاستعداد، فسقطت بذلك التوصية "العربية" من الحسابات.
ومع ترقّب ما ستؤول إليه مداولات تكتلي غانتس ونتنياهو الذي تستعصي عليه الحيلة من أجل ضمان 61 نائبا مع حكومةٍ برئاسته، فإن السجال الذي ثار بين رئاسة القائمة المشتركة  وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، بشأن رفض نوابه الثلاثة التوصية بغانتس، دلّ على أن ثمّة مطباتٍ في قنوات الحوار الداخلية مع هذه الرئاسة التي يتولاها النائب أيمن عودة، والذي لم يكن متوقعا أن يمرّ من دون نقطة نظامٍ كلامُه عن طلب غانتس توصية عشرة نوابٍ به رئيسا للحكومة، لحاجته تكليف نتنياهو، فيعجز عن تشكيل الحكومة. ولذلك بدا الإيضاح الذي أشهره النائب من "التجمع"، مطانس شحادة، ضروريا للرأي العام، ولمن يراقبون المشهد العويص، وقد أفاد بأن موقف حزبه هو نفسُه، قبل انتخابات الكنيست المعادة في 17 سبتمبر/ أيلول الجاري، وفي أثناء الحملة الانتخابية، وبعد التصويت، عدم توصيته بأي أحدٍ رئيسا للحكومة، وساق مسوّغات هذا الموقف الذي ينسجم، بداهة، مع أدبيات هذا الحزب ومرتكزاته السياسية والفكرية. وإذا كانت مقادير الغرابة ظاهرةً في نشاط أيمن عودة في استهداف موقف الحزب الفلسطيني العربي، فإن قارئ تعليقاتٍ في بعض الصحافة العربية (الأردنية خصوصا) يستهجن غرائب أشدّ عجبا، من قبيل أن على القائمة العربية الاختيار أساسا بين السيئ والأقل سوءا، ومحسومٌ هنا أن غانتس أقل سوءا (!)، وأن "التجمّع" أراد ثوب طهارةٍ يلبسه. والأفدح غرابةً أن "التجمع" مرتبطٌ بمحور عربي، داعم لجماعة الإخوان المسلمين، يريد بقاء نتنياهو رئيسا للحكومة لضمان وصول أموال إلى حركة حماس في قطاع غزة .. وفي الأثناء، "لم يطلُب غانتس بنتنا، ولا نحن لدينا بنات للزواج"، على ما أوجز ناشطٌ فلسطيني هناك المسألة وتفاصيلها، وهو أعرفُ من الجميع بها.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.