ماذا يجري في بيروت؟

ماذا يجري في بيروت؟

28 سبتمبر 2019
+ الخط -
لا حديث في لبنان أخيراً سوى عن "الانهيار المالي"، وكأن هيكلا ورقيّا يتداعى أمامنا في ظلّ فقداننا القدرة على إنقاذ ما تبقّى. الدولار الذي التصقت به الليرة بعد الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990)، بدأ يتسرّب من الداخل إلى خارج البلاد. تحويلات المغتربين باتت أضعف من ذي قبل. بعض شركات النفط المحلية تستورد المحروقات بالدولار، وتبيعها للنظام السوري بالعملة السورية أو مقابل عقارات في الداخل السوري، وتحوّلت ندرة العملة الأميركية في السوق اللبنانية، في ظلّ سياسات مصرفية منعت سحب دولارات منها، إلى أداة ضغطٍ ستنفجر في مكانٍ ما.
من الطبيعي أن الدولة اللبنانية تبدو كأنها تقيم في مكان آخر. لا يجد التيار الوطني الحرّ في كل ما يحصل غير "عملية لضرب رئيس الجمهورية ميشال عون، وإفشال عهده الرئاسي". ولا يرى تيار المستقبل في كل توترات البلاد وأزماتها سوى "مؤامرة لإخراج رئيس الحكومة سعد الحريري من موقعه". حزب الله، الذي يتباهى بقدرته على القتال في سورية والعراق واليمن، يقول إن "الأميركيين يضغطون على المقاومة بالورقة المالية"، معتبراً أن "الكرامة أهم من سلبيات هذه المرحلة". أما باقي الأحزاب المشاركة في السلطة، حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي خصوصاً، ثم القوات اللبنانية وتيار المردة وغيرهما، فتكتفي برمي المسؤولية على الآخرين، على اعتبار أنها "غير مشاركة في صناعة القرارات"، بينما هي في صلب عمل المؤسسات، وبعضها بدأ "خدمته" منذ عام 1992، مشاركاً في تكوين ملفات الفساد والهدر والتهرّب الضرائبي والجمركي. لكنه لبنان، يا سادة، حيث الجنون مرافق لفقدان الذاكرة الجماعية من جهة، ومعبّد الطريق لكل أنواع التزلّف والتلاحم الوجودي بين الطبقتين السياسية والإعلامية من جهة أخرى.
حسناً، ما سيحصل لن يكون انهياراً بالمعنى الفعلي للكلمة، بل "أزمة كبيرة" بصورة أدقّ، ستؤدي إلى إضعاف دور الدولة أكثر من السابق، سواء لجهة قدرتها على استنباط الحلول أو لجهة تطبيق الاصلاحات المطلوبة من مؤتمر "سيدر" (إبريل/ نيسان 2018). في هذه المعضلة، سيبرز فراغٌ ما، فالطبيعة ترفض الفراغ. وهناك من سيضطر أو سيعمل على ملء الفراغ المرتقب. الأميركيون على السمع. لم يضخّ هؤلاء عبر مصرف "غولدمان ساكس" 1.4 مليار دولار في شهر أغسطس/ آب الماضي عبثاً. دائماً ما كان المصرف الأميركي حاضراً في مختلف الدول التي وقعت في اضطرابات مالية، مثل اليونان وماليزيا. في المقابل، حزب الله على السمع أيضاً. يدرك أن عليه السعي لملء أي فراغ في الدولة، وإلا فسيملأه غيره الذي لن يكون طرفاً محلياً. سباق أميركا ـ حزب الله في لبنان ليس مجرد فكرة بقدر ما سيتحوّل إلى أمرٍ واقع في المستقبل القريب.
ما الذي يمكن فعله لتمرير هذه المرحلة، أو في حالة المواجهة؟ بالطبع، كل ما يمكن أن يفرزه الشارع يسمح بتغيير المعطيات والظروف، ويساهم في تشكيل سياساتٍ مستقبليةٍ تنقّي لبنان من الفساد وإفرازاته، غير أن الشارع لن يتحرّك. اللبناني مرتبط بصورة أكبر مما يظنّ كثر بطائفته وزعيمه، وصولاً إلى الدول الراعية لهذه الطوائف. بالتالي، سيبقى السباق بين الأميركيين وحزب الله قائماً. ومع أنه يبرز مثالان حول تشارك قوتين متضادتين أرضاً واحدة، سواء حرباً أو سلماً، كما حصل ويحصل بين الأميركيين وحركة طالبان في أفغانستان منذ عام 2001، وكما بين الأميركيين والفصائل العراقية المتعدّدة منذ عام 2003، إلا أن ذلك لن يكون وارداً في لبنان. بالتالي، لن تعبر أي تسوية بين الأميركيين والحزب من دون صدام ما، فالمسألة ليست "جيش مهدي" يواجه المارينز في البصرة، ولا أمير حرب من "طالبان" يقارع الوحدات الخاصة في قندهار، بل شيء مختلف تماماً، يترجم نتائج العقوبات المالية على حزب الله ونتائج إعلانه "إرهابياً" في بعض الدول الأميركية الجنوبية. وحتى ذلك الوقت، سنسمع أخباراً كثيرة عن "الانهيار المالي".
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".