رؤوسٌ تغوّلت وحان قطافها

رؤوسٌ تغوّلت وحان قطافها

27 سبتمبر 2019
+ الخط -
من واشنطن، حيث يتلقى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اللكمات السياسية المتتالية، إلى القاهرة، حيث تعلو أمواج الأصوات الهادرة بالخلاص من الرئيس عبد الفتاح السيسي. ومن لندن حيث يتلقى رئيس الوزراء، بوريس جونسون، الهزيمة تلو الأخرى، إلى تل أبيب حيث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتمسّك بأسنانه وأظافره بالحكم هرباً من السجن، هي مدن وميادين تَسن مناجلها لحصاد رؤوسٍ تغولت وحان قطافها. 
قد لا تفلح محاولات نواب الحزب الديمقراطي لعزل الرئيس ترامب، بالوصول إلى غاياتها المرجوّة، لأن نواب الحزب الجمهوري، حزب الرئيس، يتمتعون بأغلبية في مجلس الشيوخ، ولأن النظام السياسي الأميركي لا يميل إلى مثل هذه الإجراءات، فمنذ جورج واشنطن، أول رئيس أميركي (1789-1797)، إلى دونالد ترامب، لم يعزل أي رئيس أميركي من منصبه، مع أن ثلاثة رؤساء فقط، من أصل 45 رئيساً واجهوا إجراءات عزل فشلت في حالتين (أندرو جونسون 1808- 1875 وريتشارد نيكسون 1969- 1974)، ولم تكتمل إجراءات العزل في حالة الرئيس بيل كلينتون، ولكن المأمول أن تنجح المؤسسة السياسية الأميركية، هذه المرة، في عزلٍ تاريخيٍّ لرئيسٍ دخل التاريخ خلسة.
على الشاطئ الآخر من المحيط الأطلسي، وبالضبط على ضفاف نهر التايمز، تضيق الدوائر على رئيس الوزراء، بوريس جونسون الذي راكم، خلال أسابيع قليلة منذ انتقاله إلى مقر رئاسة الحكومة في "10 داوننغ ستريت"، هزائم متتالية، كان جديدها ضربة قاضية من أعلى هيئة قضائية أبطلت قراره تعليق البرلمان، ثم اتهامات صريحة له بتضليل الملكة، أضف إلى ذلك خسارته الأغلبية المطلقة في مجلس النواب، مع انشقاق نائب محافظ واحد وفصل 21 آخرين من الحزب، بعدما صوّتوا إلى جانب المعارضة. قد نرى قريبا نهاية صاحب "الشعر المنكوش"، وإنْ ترنح في منصبه بعض الوقت، فالأكيد أن الديمقراطية البريطانية العريقة في تقاليدها لن تصبر طويلاً على سياسي طويل اللسان، كذب على الملكة، وتطاول على المحكمة الأعلى، والأهم أنه ضلل الجمهور بلا خجل ولا وجل.
أما عبد الفتاح السيسي، رئيس مصر، فيجد نفسه (اليوم الجمعة) في مواجهة شعبٍ يتململ منذ أيام في الشوارع، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، مطالباً برحيل حاكم ترك الشعب يغرق في مستنقعات الفقر، بينما انصرف هو إلى بناء القصور الرئاسية. قد يبقى السيسي في قصره بعض الوقت مع اعتقال الآلاف والتضييق على الملايين، ولكن الأكيد أن الشعب المصري الذي أطاح الرئيس حسني مبارك لن يُقصّر عن الخلاص من رئيسٍ انقلب على ثورة يناير، وتغوّل في بناء القصور والسجون، حتى صار غولاً تغص سجونه بآلاف من خيرة أبناء مصر.
ليس بعيداً عن القاهرة، يترنّح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، المتشبث بالحكم هرباً من حكم قضائي قد يرميه في السجن سنوات. يحاول تشكيل حكومة تتواطأ معه على تمرير "قانون الحصانة" من أجل منع محاكمته في تهم الفساد وخيانة الأمانة التي تطارده. قد ينجح في مسعاه بتقديم تنازلاتٍ كثيرة لأحزاب اليمين المتطرّف (شاس، يهدوت هتوراة، يمينا)، أو قد يفشل في تشكيل حكومةٍ تنقذه، كما فشل في المرة السابقة. وفي هذه الحالة، ستكتب نهاية عمره السياسي.
غير الواضح متى سيصمد الحلفاء الأربعة، ترامب وجونسون والسيسي ونتنياهو، لكن الأكيد أن دوائر سياسية كثيرة، وشعوبا أكثر، ستفرح إذا ما سقط هؤلاء. سيكون العالم أكثر أماناً وجمالاً إن غاب عنه من تحالفوا ضد أحلام الشعوب في الحرية والتسامح والتعايش بلا حدود مغلقة أو جدران عالية. سيفرح ملايين البشر عندما يسقط جدارٌ شيده دونالد ترامب الانعزالي على الحدود مع المكسيك، وعندما ينهار جدار عنصري يحرسه بنيامين نتنياهو في فلسطين المحتلة، وعندما لا يُرفع جدار أراده بوريس جونسون لعزل بريطانيا عن مجالها الأوروبي، وعندما تقع جدران عالية بناها عبد الفتاح السيسي لحجب شمس مصر.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.