أول الحراك ضد السيسي

أول الحراك ضد السيسي

27 سبتمبر 2019
+ الخط -
تحرّك الشارع المصري ضد حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد سنوات عجاف بدأت بإسقاط الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي عام 2013. وفي الأسبوع الماضي، كسر المصريون حاجز الخوف الذي بنته أجهزة القمع طوال ست سنوات، تعتبر من أكثر أوقات هذا البلد سوادا ورعبا. وعلى الرغم من أن المظاهرات التي جرت في عدة مدن، منها القاهرة والإسكندرية والسويس، لم تكن بزخم تلك التي جرت في يناير/ كانون الثاني 2011، إلا أنها أحيت في النفوس تلك الثورة التي أطاحت نظام حسني مبارك، ووضعت مصر أمام مسار ديمقراطي لم يلبث أن تعثر، بسبب سيطرة العسكر على الحياة السياسية من جديد.
كل شيء في مصر كان ينذر بعودة المصريين إلى الميادين، حيث بلغ الاختناق حد الانفجار، وتحول هذا البلد الرحب إلى سجنٍ مفتوح لكل من يجهر بمعارضة نظام السيسي. وأظهرت المظاهرات أن هناك تعطشّا إلى هذه اللحظة من جهة، ومن جهة ثانية عكست الاستجابة العفوية للتظاهر حالة من الاحتقان والرفض للرئيس السيسي الذي انقلب على مسار ثورة 25 يناير، وأعاد مصر إلى سنوات الدكتاتورية ودولة البوليس والسجون. ولأن نظام السيسي عاش على الخوف من كل أشكال المعارضة، فإنه أقام نظاما على الخوف وإشاعة الرعب. وتتحدث الأرقام عن عشرات آلاف السجناء السياسيين، وحفلت أعوام السيسي بإصدار عدد كبير من أحكام الإعدام والمؤبد بحق أبرياء، وجرى اتباع أسلوب التصفيات الجسدية بحق المعارضين، وممارسة الرقابة على الصحافة، وتحويل غالبية الصحف إلى وسائل دعاية ومنابر للدفاع عن النظام وتشويه المعارضة.
وأكثر من هذا كله، قاد السيسي مصر بعيدا عن دورها العربي في المنطقة، فتحولت إلى أداة بيد إسرائيل للضغط على الفلسطينيين، من أجل تمرير صفقات تصفية القضية الفلسطينية وحقوق شعب فلسطين الوطنية والتاريخية، ومن ذلك صفقة القرن. وفي الوقت ذاته، حاصر نظام السيسي قطاع غزة من أجل إجبار المقاومة الفلسطينية على التنازل عن حق الدفاع عن النفس، ولكنه لم ينجح في هذين الملفين، وفشلت كل محاولاته بفضل صمود شعب فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة. ولعب السيسي دورا أساسيا في قيادة الثورة المضادة ضد الربيع العربي، ولولا انقلابه ضد الرئيس الشرعي المنتخب، محمد مرسي، لما تمكّنت الإمارات والسعودية من إعلان الحرب على الربيع العربي، وقد شكل السيسي لهذا المحور رأس القاطرة الذي قاد الحملة ضد الثورات العربية في سورية وليبيا واليمن. ومن هنا سيكون سقوطه مكسبا للثورات العربية وقضية الحرية في العالم العربي.
لو لم يظهر رجل الأعمال، محمد علي، ويتولى الدعوة إلى التظاهرات، فإن مصر كانت مهيأة للثورة ضد السيسي. وسواء أخذ الحراك الراهن مداه حتى النهاية أم لا، فإنه يشكل نقطة البداية في مسار لن ينتهي قبل إسقاط نظام السيسي الذي تلتقي من حوله كهدف كل القوى الحية في مصر. وهناك مسألة على درجة كبيرة من الأهمية، وهي هشاشة قاعدة نظام السيسي التي تقوم على ولاء بعض الأجهزة المنتفعة من حكمه، في حين أن قطاعات واسعة من الجيش والأمن تقف في الصف الآخر، وتنتظر اللحظة المناسبة كي تشهر موقفها. ومهما راهن على دعم وإسناد خارجي إقليمي ودولي، فإن السيسي لن يجد من يحميه حين يقف الشارع ضده، وهذا ما حصل مع نظام حسني مبارك الذي تخلى عنه الجيش والحلفاء الخارجيون، حين وجدوا أنه يغرق. وليست هناك مبالغة إذا قلنا إن نظام السيسي دخل هذه الصيرورة، ولذا باتت مسألة رحيله مطروحة على بساط البحث.
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد