الكاتب في زمن الأهوال

الكاتب في زمن الأهوال

26 سبتمبر 2019
+ الخط -
لا يكون الكاتب في زمن الأهوال سعيداً أبداً، حتى وإن امتلك هدوء نجيب محفوظ وسكينته وشامته وأدبه وطلته البهية، وضحكته المجلجلة أيام كانت الجلجلة تساعدها العافية والقفشة الحرّاقة. على الكاتب في زمن الأهوال أن يقدّم شهادته، ويدوس عامداً على الألغاز الرمادية التي ألقى بها الكاتب خائفاً ما بين السطور أو تلك المبهمات عديدة الدلالة التي لم يؤكدها البطل خوفاً، على غرامه، من عيون الرقيب وعتاب السلطة أو لوم صاحبة القصة الحقيقية في "قعدة قشتمر". 
الكاتب في زمن الأهوال مجروحٌ في بيته، وتبخل عليه كرم الكتابة أيضاً. كثيرا ما أعجبتني عبارة لصديقي الكاتب العماني الراحل على المعمري "في زمن الأهوال عش رجبا"، فأين هو رجب؟ وكيف تعيش رجبا وأنت في رعب، أو في كل ليلةٍ يدق على باب قلبك الرعب بأصابعه الخمس، وفي كل يوم يموت فيك شعاع أملٍ كنت تدّخره، في كل يوم يسقط شيء، أو يموت لك "صاحب" من غير مرض.
هل بات الموت هو نافذتك الوحيدة على العالم، وزادت أيضا كآبة الكتب؟ وحده النخيل هو الوحيد مرفوع الهامة، على الرغم من بشائر حزنه، كل يوم يسقط شيءٌ كان من يومين بهياً. يكبر الأطفال بسرعة، وتكبر معهم شراستهم أيضاً، فكيف يسيطر الكاتب على مزاجه، ويكتب داخل كل تلك الأهوال؟
يقول مريد البرغوثي: لا ينفع أن تحارب دكتاتور البلد المجاور، وأنت ترقص لدكتاتور بلدك.. وأنا أكمل: بل كيف تطفئ نور ثورةٍ صارت في حجر فلاح، وتضعها صغارا ومذلّة في حجر ضابط؟ مع أنك تغني، في أدبياتك، للفلاح والنهر سنوات، وتكتبه قصة وشعرا ورواية ولوحة.
هذا لم يكن جزءاً من الأهوال فقط، بل الأهوال نفسها، على الرغم من أن الفلاح كان يمكن لنا إزاحته بالصناديق، كما جاء من خلالها، والدستور غيّره الضابط الذي خرج له بهاء طاهر بالشموع كي يحتل وزارة الثقافة في أيام "الفلاح"، في أول مدٍّ ثوري ثقافي، سبق البندقية بأسابيع، وتلك أعجوبةٌ بحق.
الآن، صمت بهاء طاهر تماما بعد تغيير الدستور الذي كتب ديباجته الشاعر الراحل سيد حجاب، واعتبر "25 يناير" ثورة حقيقية. الآن الضابط يلغي الثورة "في قعدته وسط ضباطه بكلمتين". لا يضحك ولا تظهر أسنانه كما اعتاد. ويرحل صاحب الديباجة، سيد حجاب، ويصمت محمد سلماوي المتحّدث الإعلامي عن الدستور الذي تم تغييره. ويصمت بهاء طاهر، ولا يخرج بنصف شمعة حزنا على عرقه الثوري المهدور، ويصير يوسف القعيد عضواً معينا في البرلمان، ويصمت تماما على مر ست سنوات، حتى تم بيع جزيرتي تيران وصنافير، ولا يعترض على شيء أبداً.
ويصمت أيضا عضو لجنة الدستور، الفنان محمد عبلة، أما الكاتب محمد المخزنجي، صاحب مقولة: "30/6 مروءة"، و"جهازالضابط عبد العاطي كفته قد يكون فتحا علمياً في العلاج، ويغيظ لنا كل علوم الباراسيكولجي في عقر دار الغرب"، فقد وجد نفسه عضواً غير أساسي في لجنة الدستور فاعتزل، إلا أن عضو اللجنة الأساسي، مسعد أبو فجر، تغير إلى زاوية مقدارها 180 درجة، في ظل الأحداث أخيرا، وظهور فيديوهات محمد علي المقاول، وباح بما في جعبته، نافضا الصمت عن نفسه وسنوات "عسكرته وسكاته"، فأي هولٍ نراه بعدما سكت الجميع ست سنوات، فهل فسدت الطبخة، بعدما مشت في مياه النهر آلاف الجثث؟ هل استيقظ الكاتب المصري بعد طول ممات؟
الجميع أمام مقدمةٍ لفيلم غامض، المخرج وراء ستارة، والكاميرا في انتظار حركة الجموع، والكومبارس بالملايين ينتظرون مباراةً بين الأهلى والزمالك، ومحمد علي يبث فيديوهاته موجها الجماهير، ويطلب منهم اللعب والمرح أمام بيوتهم، والضابط أمر جنوده بالانتشار في البلاد، وما زال البطل غامضا، ولم تظهر له أي ملامح، ولو حتى على سبيل أغنية لشد الهمم مثل، "تسلم الأيادي". الجميع في انتظار معجزةٍ تزيل هذا الكابوس ثقيل الظل، وكثرت التأويلات، حتى باتت كلها ثقيلة على القلب.

دلالات