نعم لموقف "التجمع" بشأن غانتس

نعم لموقف "التجمع" بشأن غانتس

25 سبتمبر 2019
+ الخط -
ثمّة تقارب سيكوسياسي بين عقدة بنيامين نتنياهو في إسرائيل وعقدة الرئيس دونالد ترامب في الولايات المتحدة، وهو اختزال العملية الديمقراطية في مطلب التخلص من زعيم سياسي غير مرغوب فيه بأيّ ثمن. 
هذا ما عبّر عنه النائب أيمن عودة، رئيس القائمة العربية المشتركة، ثالث أكبر تكتل في الكنيست (البرلمان) الجديدة، في مقاله في صحيفة نيويورك تايمز، أخيرا، وأشاد فيه بقرار القائمة المشتركة التوصية على بيني غانتس، رئيس حزب كاحول لافان المعارض، ومنافس بنيامين نتنياهو في الصراع على تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
ولعلّ المتابع لتصريحات عودة يصاب بالصدمة، حين يكتشف أن صراع الفلسطينيين في إسرائيل بات مختزلا في مطلب التخلص من حكومة نتنياهو، وكأنّ لا أحد يعيق مسار الديمقراطية في 
إسرائيل وآفاق السلام مع الفلسطينيين سوى هذا الرجل. هذا ما عبّر عنه ممثلو حزب التجمّع الوطني الديمقراطي، والذين خالفوا الموقف في القائمة المشتركة، رافضين التوصية على الجنرال غانتس، لخلفية أيديولوجيته الصهيونية ومواقفه اليمينية التي لا تختلف كثيرا، في جوهرها، عن سياسات حزب الليكود.
استدراكاً، لا يقتصر صراعنا، نحن فلسطينيي الداخل، على عقدة التخلص من نتنياهو. ولا ينبغي أن يصبح شعار إسقاط نتنياهو مبرّرا للتحالف مع مرشح لا يقل عداء للفلسطينيين عن خلفه، كما يشهد تاريخه الدموي والعدواني في الضفة الغربية وقطاع غزة، فهدفنا ليس مجرد الانتقام من نتنياهو أو معاقبته على تصريحاته العنصرية ضد الناخبين العرب، بل مناهضة عقيدة يهودية الدولة وقانون الدولة العنصرية في الداخل، ومشروع الاحتلال والمستوطنات وحصار غزة.
من التراجيدي أن توصي القائمة المشتركة على بيني غانتس، على الرغم من معرفتها بسجلّه السياسي والعسكري. فغانتس، على خطى نتنياهو، يدافع بحماس عن عقيدة يهودية الدولة، ومفادها بأنّ إسرائيل ليست دولة كل مواطنيها، بل دولة الشعب اليهودي فحسب، وأن العرب ليسوا سوى مواطنين من درجة ثانية أو ثالثة. كما أنه رفض مطالب المشتركة بالتعهد بتقديم ضماناتٍ لحقوق متساوية للفلسطينيين في الداخل، ولا سيما إلغاء قانون الدولة القومية.
ونتذكر أنّ حزب غانتس ليس حزب مركز، كما يشير عودة في مقاله، بل حزب يميني لا يقلّ تطرّفا عن نظيره "الليكود" في سياسته القمعية تجاه الفلسطينيين، فقد استهل غانتس حملته الانتخابية متباهيا بقصف غزة و"إعادتها إلى العصر الحجري"، على حد تعبيره. ولا يملك غانتس مشروع سلام، بل تعهّد بمواصلة مشروع الاحتلال وضمّ المستوطنات في الضفة الغربية والقدس. بل إنه عاير نتنياهو مدّعيا حق الملكية الفكرية لمخطط ضم غور الأردن لإسرائيل. كما يواجه حاليا دعاوى قضائية في لاهاي بارتكابه جرائم حرب خلال العدوان في صيف 2014 على غزة، والذي راح ضحيته أكثر من ألفي فلسطيني، غالبيتهم مدنيون.
الغريب أن يتحمّل العرب في إسرائيل عبء إطاحة نتنياهو، في حين لا يطالب غانتس بتقديم أية تنازلاتٍ سياسية، ولا سيما إلغاء قانون الدولة القومية العنصري، ناهيك عن إنهاء الاحتلال وسحب المستوطنات وفك الحصار عن غزة. من المؤسف أيضا أن توصي الكتلة المشتركة على غانتس في سياق استمرار سياسة مصادرة الأراضي وهدم المنازل العربية داخل إسرائيل، وفي ظلّ وجود أكثر من ستين مشروعا أساسيا عنصريا ضدّ المواطنين العرب، وفقا لمركز عدالة القانوني لحماية حقوق الأقلية العربية.
المفارقة أنّ الجنرال غانتس، اقتداء بنتنياهو، تعهد لناخبيه بأنه لن يشكل حكومته مع أحزاب 
عربية، في حين رحب بإمكانية التحالف مع "أيّ حزب يهودي وصهيوني". وليس غانتس وحده، فعدم الائتلاف مع الأحزاب العربية أصبح بمثابة تابو سياسي في إسرائيل، حيث يفضّل الساسة الإسرائيليون عدم تشكيل حكومة على الائتلاف مع العرب. بعبارة أخرى، تكتفي الكتلة العربية بالتأثير، من دون المشاركة في عملية صنع القرار، وبالتصويت من دون تمثيل حكومي.
ولا يكتفي غانتس بإقصاء العرب من عملية صنع القرار بصورة مسبقة، بل ينوي إقامة حكومة وحدة قومية بمشاركة يسرائيل بيتينو والليكود اليمينيين. بعبارة أكثر مفارقة، يريد غانتس أصوات القائمة المشتركة لتشكيل حكومة وحدة مع أفيغدور ليبرمان، العقل المدبّر لمشروع تهجير المواطنين العرب من إسرائيل، أو ما يسمّى "مخطط ليبرمان".
في سياق تبريره قرار التوصية على غانتس، يشير عودة إلى دعم الأحزاب العربية حكومة إسحاق رابين في التسعينيات، وكيف أنه أفضى إلى التوقيع على اتفاقية أوسلو، متناسيا تداعيات ذلك النظام على القضية الفلسطينية، من زيادة المستوطنين والمستوطنات في الضفة الغربية إلى ضمّ القدس وتوحيدها، إلى حصار غزة المتواصل، إلى ترسيخ عقيدة يهودية الدولة، وما يترتب عليه من انتهاكات لحقوق الفلسطينيين في الداخل.
أما إذا كان هدف عودة والقائمة المشتركة ممارسة التأثير السياسي لإسقاط حكومة نتنياهو المتطرّفة، وهذا أمر طبيعي ومتوقع من تحالف عربي يشكّل ثالث أكبر تكتل في الكنيست، فأدعوه إلى قراءة البيان الصادر عن ممثلي "التجمع" في القائمة، ومفاده بأنّ إسقاط نتنياهو لا يعني دعم غانتس بالضرورة، بل يمكن تطبيقه من خلال رفع تمثيل "المشتركة"، وتقليص قوة المعسكر الداعم لنتنياهو ومنعه من الحصول على الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة. أما التوصية على حكومة بزعامة غانتس وتصويرها كأنها انتصار سياسي لفلسطينيي الداخل، فهذا خط أحمر لا يمكن تجاوزه أو تبريره، حتى برفع شعار إسقاط نتنياهو.
192E8B91-FB46-4E2D-A022-5A6A76896F44
192E8B91-FB46-4E2D-A022-5A6A76896F44
سراج عاصي

أكاديمي فلسطيني زائر في جامعة جورج تاون في واشنطن، ومحاضر في دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأميركية في واشنطن. صدر له حديثا بالانجليزية كتاب تاريخ وسياسات البدو: إعادة تخيل البداوة في فلسطين الحديثة.

سراج عاصي