عن فيديو أبٍ يعنّف طفلته

عن فيديو أبٍ يعنّف طفلته

25 سبتمبر 2019
+ الخط -
ما تم تداوله من فيديو قصير لأب يضرب طفلته الرضيعة الذي انتشر بسرعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع موجة عارمة من الغضب والاستنكار، يكشف فساد المنظومة الأسرية العربية، سواء الطرف الأقوى، وهو الأب، أو الطرف الأضعف، وهي الأم التي هي الزوجة الخاضعة لزوجها بحكم وثيقة الطلاق، وما يتبعها من قوانين وأحكام. 
لا يُعفى أحدٌ من المسؤولية في ما تعرّضت له هذه الرضيعة من أذى، وأدّى، حسب ما تم تداوله، إلى فقدانها السمع في إحدى أذنيها. ولا يمكن أن نقف كقضاة لنطالب بمحاكمة الأب. ولكن علينا أن نتّصف بالعدل، ونطالب بمحاكمة منظومة أسرية كاملة كما أسلفت.
منظومة أسرية بدأت بوالديْن لم يتحريا اختيار الزوج المناسب لابنتهما، وربما تمت الموافقة عليه، بناء على مؤهلاتٍ ماديةٍ أو عينيةٍ ملموسة، مثل الراتب والبيت والسيارة الخاصة، وعدم تحرّي جوانب مهمة من شخصية الإنسان الذي سيغلق عليه الباب مع ابنتهم، وستقضي معه ما بقي من عمرها. وفي حالاتٍ حقيقية، هناك آباء يتغاضون عن عيبٍ خُلُقي بالشاب، على أساس أنه "لما يتجوّز بيعقل"، أو أن الله سوف يهديه، في حين لا يتغاضون عن راتبه البسيط أو شقته الضيقة.
المنظومة الأسرية الفاشلة التي أدّت بهذا الأب إلى هذا الحال تتوقف عند الزوجة. وهذه إما تكون مغلوبةً على أمرها، وتتعرّض للتعنيف من الزوج، أو أنها أنانية إلى درجة أنها تريد إنقاذ نفسها، ولم تعد تفكّر بأطفالها، فهي قرّرت أن تتلصص على الزوج. وكلي ثقة أن هذا الموقف ليس الأول للزوج، ولكنها قرّرت أن تتربّص له وتقوم بتصويره، واحتفظت بالفيديو حتى حان الوقت لتنشره على الملأ، كي تفضح الزوج، وتجد كل العالم يناصرها ويحلل فكاكها منه، ولو على حساب أطفالها، لأن هذه الزوجة التي لا تستحق لقب أم، لو أنها توجهت بهذا الفيديو إلى مركز من مراكز رعاية الأسرة أو حتى إلى الشرطة لقلنا إنها تتعرّض للتعنيف، أو إنها خائفةٌ على حياة أطفالها ومستقبلهم، ولكنها قرّرت أن تفضح الزوج، وأن يرى كل العالم هذا التسجيل بالصوت والصورة، بحيث يكبر باقي الأولاد، وهم يشعرون بالخجل من هذا التاريخ الموثّق، في حين أنها لو فكّرت بأطفالها لما سلكت هذا الطريق، ولاستطاعت أن تنقذ أطفالها من دون فضائح على "السوشيال ميديا"، وكان في وسعها أن تجلس مع مختصين بشؤون الأسرة، وتشرح لهم معاناتها، وتبحث معهم عن حلولٍ، منها استدعاء الزوج والتحقيق معه وتتبع تاريخه النفسي الذي احتملته حتى أنجبت عدة أطفال، وهو نفسه التاريخ الذي تغاضى عنه ذووها؛ لأن هذه الحالة التي وصل إليها هذا الأب ليست وليدة يومٍ ولا ظروف، ولكنها تراكماتٌ نفسيةٌ يعيشها هذا الكائن. ولو نبشنا في حياته السابقة قبل الزواج وبعده، لوجدنا عُقدا نفسية أو أعراضا عصبية نتيجة تعاطي المخدّرات مثلاً، فلا يمكن لأي أبٍ سويٍّ أن يفعل ما فعله هذا الرجل بفلذة كبده.
ربما كانت أقرب العقد النفسية عند هذا الرجل أنه يكره البنات، ولا يحب أن تكون له ابنة، ويعمل بالمثل الشعبي "اكسر للبنت ضلع بيطلع لها أربعة وأربعين ضلع". وربما عاش في أسرة مفكّكة، أو محروما من أحد والديه. وفي الحالتين، هو إما أن يكون أبا نموذجيا محبّا مصرّا على منح أطفاله ما حرم منه أو العكس. وعند هذه الملاحظة، هناك من تحدّث بأن هذا الأب قد حُرم من والده في سن مبكّرة.
المهم أننا لا يمكن إعفاء الزوجة من المسؤولية فيما حدث للطفلة والمسؤولية وقعت عليها منذ زمن، حين قرّرت الاستمرار مع زوجٍ كهذا، وأنجبت أربعة أطفال، وكان من الممكن أن تتخلص منه منذ البداية، وقبل إنجاب الطفل الأول، لأنه لا يوجد زوج على وجه الأرض يتحوّل إلى ملاك لمجرد أنه تزوّج. لو كان الأمر كذلك لكان الزواج وصفةً للشياطين.
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.