مفارقات فلسطينية في الانتخابات الإسرائيلية

مفارقات فلسطينية في الانتخابات الإسرائيلية

24 سبتمبر 2019
+ الخط -
على عكس ما درجت عليه النخب السياسية العربية، ومعها الإعلام المرئي والمكتوب، في إبداء اهتمام لافت وترقب مبالغ به أحياناً، إزاء الانتخابات العامة الإسرائيلية في الدورات السابقة، خصوصاً منذ انفجار ثورة الاتصالات والمعرفة، لم تحظَ انتخابات الكنيست هذه المرة، على الرغم مما انطوت عليه من إثارة كبيرة، بتلك المتابعة الكثيفة والنقاشات الطويلة، جرّاء تزامنها مع وقوع هجوم غير مسبوق ضد منشآت "أرامكو"، أدى إلى ارتفاع حدة التوتر، وشد الأبصار، ومن ثمّة استقطاب جل التغطيات العربية نحو بؤرة اهتمام جديدة. 
غير أن الطبقة السياسية الفلسطينية، المنشغلة طوال الوقت بأولوياتها الخاصة، وهي انشغالات مشروعة، لم تكن على الموجة ذاتها، ولم تشاطر نظيراتها العربيات تركيز الضوء كله على الحدث الذي وصفه أحدهم بأنه "11 سبتمبر سعودي"، أو "بيرل هاربر نفطي"، حيث انصرف المكتوون بجمر الاحتلال والاستيطان إلى متابعة ما يجري في جوارهم، وإظهار كامل الانفعال، وبالغ الاهتمام، بمآل انتخاباتٍ تؤثر تأثيراً عميقاً على أوضاعهم، إن لم نقل إنها تخصهم على نحو غير مباشر، سيما وأن لهم حصة وازنة من مركّبات هذه العملية.
ومع أنه يمكن القول إن الاهتمام الفلسطيني بانتخابات الكنيست الإسرائيلي يُعد في حد ذاته مفارقةً فارقة، إلا أن مشهد المتعاطين مع الحدث الذي يخاطبهم، على هذا النحو أو ذاك، كان غاصّاً بالفوارق الباعثة على التأمل وإمعان النظر، حيث يمكن على هذا الصعيد تسجيل ثلاثة مواقف متباينة، أولها صادرٌ عن فصائل غزة، وثانيهما تجلى في الضفة الغربية بصورة واضحة، أما الثالث فقد أتى من جهة عرب 1948 وكان، على ضآلته، أشد هذه المواقف دهشة وغرابة.
في غزة، أصدرت اللجنة العليا لمسيرات العودة، وهي جسم فصائلي، بياناً عدمياً دعت فيه جماهير عرب 48 إلى مقاطعة انتخابات الكنيست (تبرّأت من الجبهة الديمقراطية) كما وصفت الانتخابات هذه بأنها "باطلة" بالنص الحرفي، وكأنها لم تعثر في قاموس اللغة على مفردةٍ أكثر انطباقاً على انتخاباتٍ لا يُشكك بصحتها حتى الخاسرون فيها، فيما بدت تلك الدعوة المستهجنة، العصيّة على فهم الأحزاب العربية، وهي المنخرطة في انتخاباتٍ هدفها إسقاط بنيامين نتنياهو، كاستجابة غير واعية لحملة اليمين الإسرائيلي الرامية إلى تخويف العرب وصدّهم عن الصناديق.
في الضفة الغربية، كان المشهد مختلفاً بالكامل، حيث تجلّت، في يوم الانتخابات وقبله، مظاهر التأييد للقائمة العربية المشتركة بكل الصور الممكنة، بما في ذلك حث المواطنين العرب علناً، في سابقةٍ نادرة، على التوجه إلى الصناديق، ودفعهم إلى المشاركة بكثافة، لترجيح وزنهم أكثر فأكثر في الخريطة السياسية الإسرائيلية، حيث بادر تلفزيون السلطة الرسمي بإطلاق موجة بثٍّ مفتوحة طوال يوم الانتخابات، استضاف فيها قادة القائمة المشتركة، وواكب عمليات التصويت، لحظةً بلحظة، من خلال مراسلين موزّعين على عشرات مراكز الاقتراع في المدن والبلدات العربية.
أما في أراضي 48 التي خاض فيها أحد الأكاديميين العرب الانتخابات من خارج القائمة المشتركة، وحصل على خمسة آلاف صوت من نحو ستمائة ألف مشارك، فقد تجلت المفارقة الثالثة الباعثة على الأسى، وهزلت تماماً، عندما اشتكى الأستاذ الجامعي من تدخل السلطة ومنظمة التحرير في عمليةٍ انتخابيةٍ لا تخصّها، في تماهٍ، غير مقصودٍ على الأرجح، مع غلاة أحزاب اليمين الصهيوني، الداعية بدورها إلى وقف هذا التدخل الذي أسفر عن إسقاط نتنياهو، وفق كل المؤشرات الموضوعية.
إذا كانت الأمور لا تُقاس بالنيات، ولا حتى بالنتائج، وإنما بما يترتب على النتائج من نتائج مرغوبٍ بها، فإن لنا أن نصدر بثقة، على ضوء ما أسفرت عنه انتخابات الكنيست من نتائج صبت القمح في طاحونة الأحزاب العربية، حكماً سلبياً قاطعاً على موقف فصائل غزة التي لم تجرِ لديها أي انتخاباتٍ من نوعها، إن لم نقل إنها فشلت في إدارة شؤونها على كل صعيد، فيما يصحّ إصدار حكم إيجابي لصالح السلطة والمنظمة اللتين اعتبرتا، عن حق، إسقاط نتنياهو مهمة وطنية واجبة ومستحقة، ولا يتبقى لنا سوى إبداء الأسف حيال موقف ذلك الأكاديمي الذي غرّد خارج سربه، وهاجم موقفاً صحيحاً للسلطة الفلسطينية.
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي