هل باتت أيام السيسي معدودة؟

هل باتت أيام السيسي معدودة؟

22 سبتمبر 2019
+ الخط -
ليست المشاهد الأولية القادمة من القاهرة، ومدن مصر، عن مظاهرات المصريين ضد نظام عبد الفتاح السيسي، سوى جزء من صورة مشهد ذاهبٍ في طريقه إلى الاتساع في المرحلة المقبلة، ليشكل يومياتٍ مصرية، تقطع مع مرحلة ركود صنعها النظام بالحديد والنار، وأرادها نمطاً لاستقرار حكمه تحت تهديد السلاح والاعتقال. ثمّة مؤشرات عديدة عبّرت عن نفسها بوضوح مع اللحظات الأولى لعودة هتافات: "الشعب يريد إسقاط النظام"، و"ارحل يا سيسي"، لعل أهمها حالة الإرباك الشديد التي ضربت نظام السيسي، والذي بدا، ومن خلال تأكيدات متظاهرين وشهود عيان، يصدر عن حالة انقسامٍ بين أركانه حول كيفية التعامل مع الحراك المصري الجديد.
وثمّة معطياتٌ، سيجري البناء عليها لإكمال صورة المشهد، فالمجتمع الذي جرى استباحته على مدار سبع سنوات، يرسم، بحذر، مسار خطواته المقبلة، يتفحّص مقدار انتشار الحرارة في جسده واستجابة هذا الجسد للتحرّك، ويتفحّص مواضع القوّة والضعف في بنية نظام السيسي، والثغرات التي سيتم العبور منها لإسقاط هذا النظام.
ما شوهد في المظاهرات الأولى يشرح، بوضوح، حراك مصر في سياقه الراهن، ربما لا تشبه مظاهرات "ثورة 25 يناير" في 2011، بل تشبه، بدرجة كبيرة، بدايات ثورة
 السوريين، ذلك أن نظام السيسي يشبه بالفعل النظام الأمني السوري، وهذا مؤشّر على تراجع الحياة السياسية في مصر، حتى بالمقارنة مع عهد حسني مبارك، الذي قامت الثورة المصرية ضده.
ليس ذلك غريباً على نظامٍ تتزّعمه الأجهزة وتتحكّم بمفاصله وتسيّر شؤونه، فقد أوجد السيسي، في السنوات الماضية، نظاماً مغلقاً بشدة، تشكّلت نواته الأساسية من قادة الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى أسرة السيسي نفسه، زوجته انتصار وابنه العميد في القوات المسلحة محمود وصهره اللواء خالد فودة، الذين شكلوا محرّكات لهذا النظام الآخذ في الانغلاق وإعادة التشكّل، على حساب قوىً، في الجيش والأمن، ساهمت بتكريس حكم السيسي في السنوات السابقة.
ساهمت فيديوهات المقاول والممثل، محمد علي، في كشف كثير من أسرار نظام حكم السيسي، وموازين القوى داخله، وأوضحت خريطة السيطرة داخله، وكيف يجري صنع القرار داخله، ومن هي القوى النافذة فيه. والأهم أن الفيديوهات كشفت الطريقة التي تجري بها إدارة شؤون الحكم في مصر، والطريقة العبثية في إدارة ثروات البلاد، وما هي أولويات نظام عبد الفتاح السيسي وانحيازاته التي في مجملها أولويات وانحيازات تهدف إلى تهميش الشرائح الأكبر من المجتمع المصري، والعمل على زيادة إفقاره وإخراجه من خانة الفعل.
أراد نظام السيسي وضع مساراتٍ نهائية للمصريين، يتبعونها خاضعين، من مهدهم إلى لحدهم، وممنوع عليهم الخروج عن هذه المسارات، الضيّقة بشدّة، تحت طائلة العقاب بالسجن المؤبد أو الموت، ولم يطرح لهم بدائل سوى أن الخضوع المطلق لحكمه يجنّبهم شرور السجن والموت، في استعادة واضحة لحكم فتوّة الحارة الذي يملك حقوق أخذ الخوّات، من دون أن يرتب عليه ذلك أي واجباتٍ تجاه الخاضعين لسطوته.
ويُحسب لمحمد علي فتحه بطن نظام السيسي وكشف أعطابه للجمهور، الذي وإن كان يعرف بوجود الفساد، إلا أنه فوجئ بالتفاصيل المذهلة التي كشفها شخصٌ طالما كان قريبا من دوائر
 الحكم في السنوات الماضية، ويعرف تقنيات إدارة الثروة وسبل توزيعها ومسالكه، والطبقة الجديدة التي يشرف السيسي على صناعتها، وعزلها تماماً عن المصريين، ومحاولة تأبيد بقاء الراقدين في القاع المصري، عبر سياساتٍ باسم الدولة، ويجري تطبيقها بالفرض من خلال أدوات العنف فيها.
ولكن كيف استطاع محمد علي، الشاب قليل الخبرة، تحريك الشارع من خلال تقنيات الفيديو، ما عجزت عن فعله قوى سياسية منظّمة ومؤطرة؟ يبدو أن ثمّة عاملاي ساهما بدرجة كبيرة في إنجاح دعوات محمد علي إلى التظاهر والتمرّد على نظام السيسي: الأول: الخطاب الذي استخدمه، وهو بسيط وواضح، ركّز فيه على نقاط ضعف السيسي ونظامه، وخصوصا أسلوب تعامله مع مصر ورموزها وشعبها، ودرجة الاستهتار التي انطوى عليها ذلك التعامل، فضلاً عن المزاودة والكذب على المجتمع المصري، فهذا النظام سلّط إعلامه وأبواقه لجلد المصريين صباح مساء، واتهامهم بكل الموبقات، ووضعهم في موقف المذنب دائماً، في مقابل مبدئية السيسي ونظامه، فهم متهمون دائماً بالخيانة والتآمر على مصر، وبصناعة الفوضى والتعامل بسلوك متخلّف، في مقابل نظامٍ يحاول تنظيفهم من الخيانة والتآمر وإزالة التخلف عنهم.
العامل الثاني: توقيت ظهور محمد علي، في زمنٍ اعتقد نظام السيسي أنه أنجز مهمة هزيمة المصريين، وحطم روايات المعارضة، في مقابل تصدّر روايته وسيادة تفسيره السياسي، في زمن رفضٍ أعلن فيه السيسي تحدّيه العلني الرأي العام، عندما قال "إيه هتخوفني، ده أنا حاعمل وأعمل وأعمل". في المقابل، كان الشارع المصري قد وصل إلى درجة الاختناق، وكان يبحث عن فرصةٍ للخروج من تحت ركام سنوات قهر السيسي، وربما عن صوتٍ جديد يُلهمه، بعد أن أسكت النظام كل صوتٍ حر في البلاد، والأهم أنه كان يبحث عن رواية جديدة للثورة، قدّمها محمد علي ببساطة وجرأة.
بدأت الثورة في مصر، وثمّة سيناريوهات كثيرة قد تذهب باتجاهها تطورات الأحداث، منها احتمال حدوث تصدّعات في جسد النظام نفسه، والذي يبدو أن أجزاء كثيرة منه باتت تخجل من مجرّد احتسابها على هذا النظام الذي يقوده عبد الفتاح السيسي بسفاهة.
5E9985E5-435D-4BA4-BDDE-77DB47580149
غازي دحمان

مواليد 1965 درعا. كتب في عدة صحف عربية. نشر دراسات في مجلة شؤون عربية، وله كتابان: القدس في القرارات الدولية، و"العلاقات العربية – الإفريقية".