عن الكتابة والإبداع

عن الكتابة والإبداع

22 سبتمبر 2019
+ الخط -
أن تشعر بالإبداع ينمو داخلك، فهذا رائع. لكن الإشكال يكمن في مدى قدرة الذات على استنباطه وتجسيده واقعيا، إذ إن محاولة سجنه تمثل عين المعاناة، إذ أين تقمع الذات؟ 
كفاك كذبا.. عن أي إبداع تتكلم؟ هل تعتقد أن هناك شيئا اسمه إبداع يربض داخلك؟ إنك حقا مجرد واهم.
الأنا: لم أقر بأنني مبدع أو أن شيئا من الإبداع ينمو داخلي، وإنما هذه مجرد كلمات أردت فقط تدوينها، أليس من حقي الكتابة؟
صوت باطني: تتحدث من جديد عن الحق في الكتابة. لقد عدنا مرة أخرى إلى هذا الجدال العقيم. ألن تتوقف عن الحديث عن هذا الحق المزعوم؟ لربما نسيت أو تناسيت تلك الحوارات السابقة التي جمعتنا ومختلف النهايات التي آلت إليها. لقد أقررت بعجزك وضعفك وبالتالي عدم تمسكك بالقلم.
الأنا: استمع لذلك الصوت الباطني، أين تلاشت حالة الاستنكار والاستغراب؟
الصوت الباطني: يواصل إلقاء خطاب ماهيته اللوم والعتاب. أتتذكر تلك الوعود التي قطعتها في جل محاولاتك، مقالاتك وقصائدك؟ أين أقسمت بأنك لن تتخلى عن فعل التدوين. هل نسيت هذه الكلمات يوم أردت تخليد اسمك على المخطوط، بأنك ستظل وفيا لعادة الكتابة. لقد وعدت يوم كان لقلمك ما يقول.
الأنا: وعدت يوم كنت غائبا، حين كنت مجرد عدم. لقد وعدت عندما هجرت إحساس الفشل والإحباط. لم يكن لليأس مكان ولم يكن لك دور في ذلك. أخمدتك بذلك القلم. لكن يبدو أنك لم تكن راضيا، إنك صوت القمع والانهيار.
الصوت الباطني: غريب أمرك، أتعتبر صوت الحقيقة والواقعية قمعا وإحباطا ويأسا؟ فلكأني بك تتحدث عن بوادر بروز "نظرية المؤامرة" تحاك ضدك أو ضد قلمك. إنك بصدد التبرير لفشلك وعجزك عن كتابة المزيد. لقد أخطأت يوم قررت اتخاذ طريق القلم. رغم تلك السعادة التي عايشتها في مختلف ردهات الكتابة إلا أنني كنت أعلم أنك ستتوقف يوما ما عن التدوين.
الأنا: لن أواصل هذا الحوار العقيم، فلن أخلد إلى النوم قبل أن أكتب شيئا يزيحك عني. سوف أكتب عن هذا الموقف، وعن عجز القلم.
الصوت الباطني: أقدر لك عزمك، لكن لا فائدة من ذلك. إنك وبكل اختصار تغوص في شرنقة العذاب.
حالة من الاستقرار النفسي تسود، يمسك ذلك القلم من جديد ليبدأ فعل الكتابة. موعد التقدم لتلك المسابقة الأدبية التي تُعنى بالنصوص المسرحية، شارف على الانتهاء. الوقت ينفد تدريجيا والقلم لم ينجح بعد في إنهاء مشاركته. أراد ترجمة شغفه الشديد بالمسرح وفنونه من خلال تقديم نص مسرحي لتتسنى له المشاركة في تلك المسابقة الأدبية. هدفه من المشاركة ليس حصد الجوائز أو البحث عن مفهوم الشهرة وإنما يبتغي إرسال مخطوط مسرحي سواء فاز أم لا. نكمن في هذه الفترة، مرحلة الإعداد للمسابقة، من كتابة عدد غير قليل من الصفحات التي شكلت بوادر تمظهر عمل مسرحي. غير أن هذا التجلي استوجب العديد من التضحيات، إذ إنه في المقابل تخلى عن تلك الساعات المخصصة لكتابة بعض المحاولات الشعرية والمقالات والأخرى التي كانت مكرسة لبحوثه ودراسته. تضحيات بدت جليلة، لكن أمام حرصه الشديد وسعيه لإتمام ذلك النص المسرحي، ساهم في تغيب شعوره بالقلق والخوف.
الوقت يمضي والعمل المسرحي يكاد يتبلور أنه يشارف على الانتهاء، إذ إن ممارسة فعل القلم مكنته من كتابة وإرساء المشاهد المسرحية، فلم يبق سوى الفصل أو المشهد الأخير.
"النهاية، المشهد الأخير"، كلمة دونها وسط الصفحة البيضاء لحاسوبه، لتبدأ عملية البحث عن فرضياتها وأحداثها وتخيلاتها وسيناريوهاتها وتفاصيلها ووصفها وحوارها وسردها.
"مشهد النهاية"، وفي خضم هذا التفكير، بدا نصا مسرحيا مغايرا لما ورد في سابق الفصول، فلكأن هذا المشهد تكليل لما قيل أو لعله تمرير لرسالة ذلك القلم المسكين. يلتجئ لفعل القلم، أين يدوّن تلك العبارات، إذ إنه يحاول تجسيد مشهد ينهل ويستمد جوهره من مفردات "الفريد والطريف"، ليؤسس بذلك لمفهوم الطابع القدسي لمشهد النهاية.
يريد كتابة مشهد نهائي قائم على تقنية "الخطاب الذاتي" أو "المونولوج" حتى يتمكن من الاستئثار بالحوار. إنه وبكل اختصار يبحث عن دور أخير في نصه المسرحي: أين يمكنه ممارسة حقه في الكلام؟
كل هذا التفكير في بلورة المشهد الأخير جعل من مرحلة طرح التساؤلات أمرا لا مفر منه: كيف ستكون هذه النهاية؟ هل أنا قادر على تلبية جل هذه المتطلبات؟ أيقدر قلمي على صياغة هذا الفصل الفريد أم أنا حقا في مأزق؟ ينتابني شعور بأنني "سأفشل"؟ ولكن لماذا هذا الإحباط المبكر؟ أليس من الضروري تجربة خوض غمار كتابة هذا المشهد الأخير قبل الإقرار بالفشل؟ أعتقد بأن كتابة الفصل الأخير ستكون أمرا هينا أمام المشاهد الأخرى التي أتممتها؟ أليس كذلك أيها القلم؟
تفصله عن نهاية هذا النص المسرحي بعض الكلمات والعبارات، لكن يبدو أنه سقط في مشهد "المأزق".
74AB1921-BCE8-4301-ABE1-D55D6503A198
74AB1921-BCE8-4301-ABE1-D55D6503A198
إسماعيل الهدار (تونس)
إسماعيل الهدار (تونس)