احتفالية المصالحة مع الأسد

احتفالية المصالحة مع الأسد

22 سبتمبر 2019
+ الخط -
هذه ليست المرة الأولى التي ينصحُ فيها وزيرُ الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، المعارضةَ السورية بالتخلي عن أية شروط مسبقة لدى حوارها مع النظام، وخصوصا شرط المطالبة بتنحّي بشار الأسد عن السلطة، واعتبار هذا التخلي بادرةَ حسن نية للخروج من الأزمة التي تعصف ببلادهم.
أوقفنا، نحن السوريون، منذ وقت طويل، العَدَّادَ الذي يحسب عدد القتلى الذين سقطوا على تراب سورية الطاهر (مَنْ قال إنه طاهر؟ وكيف تكون طهارة التراب؟)، وعدد البنايات التي وقعت على الأرض، وكم شقة في كل طابق، ومجموع شقق البناية كلها، وعدد الجرحى الخطرين الذين ينتظرون ليلة الجمعة ليموتوا على الإيمان، وعدد المعطوبين، وفاقدي الأطراف، والمساجين بموجب قرارات المحاكم العادية، والمساجين المشمولين بقرارات محكمة الإرهاب، والشبّان شبيهي أزرار الورد الذين ماتوا تحت التعذيب، والذين فَصَلُوا (أي أن أجسامهم ما عادت تتلقى الأوامر من أدمغتهم)، والذين سُلِّمَتْ جثثُهم مع هوياتهم الشخصية، إلى ذويهم، والذين أُحْرِقَتْ جثثُهم وهوياتهم الشخصية وحلفَ سدنةُ معتقلات النظام لأهاليهم بالطلاق بالثلاثة أنهم ليسوا مسجونين لديهم، ولم يسبق أن وقعت أنظارُهم عليهم (.. يا أخي لو كانوا عندنا ليش نخبّي عنكم؟).. فهل يعقل أن نتفرّغ لعَدّ المرات التي طلب فيها وزيرُ الخارجية الروسي من المعارضة السورية أن تبوس شوارب بشار الأسد وتقول له: خلّيك على كرسيك أخي يا أبو حافظ، وعفا الله عما مضى.
لا نعرف إن كان يوجدُ على سطح الأرض السورية، أو في المنافي، شيء مكتمل وموحد اسمُه المعارضة السورية، لكي تنتصحَ هذه المعارضةُ الموحدةُ من لافروف، وتتنازل عن شرط تنحّي الأسد.. ما نعرفه أنه، ومنذ قامت الثورة السورية ضد نظام الأسد، وهبّت الحكومة الروسية لنصرته ومنعه من السقوط، لم يوفر هذا اللافروف الرهيب نفسُه جهداً في القضاء على المعارضة، وتقسيمها إلى حارات؛ حارة المعارضة الداخلية التي تتألف من شخصياتٍ متباينة، أحدُهم لا يمر عليه يوم إلا ويوجّه التحيات و(خمسمئات الليرات السورية المحروقة خاصّ ناصّ) للجيش العربي السوري الباسل الذي يدك أوكارَ الإرهابيين الكلاب الذين يقضون مضجع الوطن والمواطن. وثانٍ يرى أن البلاد لن تخرج من أزمتها ولن تقوم لها قائمة ما لم يتكرّم السيد الرئيس بشار الأسد بإقالة وزير التموين وإحالة محافظ القنيطرة إلى القضاء. وثالث يزعم أنه لا حل للقضية السورية إلا بإجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة، ولأجل نجاح الانتخابات، والحفاظ على المنافسة الشريفة، يُبدي استعداده لأن يرشح نفسه شخصياً لها، ولكنه، من فرط حبّه الرئيس، وإيمانه بأنه يمثل نقطة التوازن الوحيدة اللازمة لتحقيق الوحدة الوطنية، مستعدٌّ أن ينتخبه بدلاً من أن ينتخب نفسه، ورابع يرى أن بإمكان المعارضين الخارجيين المأجورين أن يعودوا إلى حضن الوطن معزّزين مكرمين، شريطة أن يمر الواحد منهم بالبوط العسكري ويأخذ منه بوستين (مَجْقَتين) على السريع.
وحَدِّثْ، يا سيد لافروف، عن التهم الموجهة إلى المعارضة الخارجية ولا حرج، فعدا عن الفنادق وما فنادق، والارتهان ما ارتهان، والقبض بالدولار، وباليورو، وبالإسترليني، والإقامة في إسطنبول وموسكو والرياض والدوحة والقاهرة وبرلين وأبوظبي وباريس، (والتواصل مع تل أبيب)، والسفر في درجة البزنس وما بزنس، ترى معارضاً ذاهباً إلى جنيف، وآخر إلى أستانة، وثالثاً إلى نور سلطان ورابعاً إلى سوتشي حيث يستطيع أن يوجّه رسالة إلى صديقه "ناظم حنطاية" المقيم في حلب.. وهذا غير صحيح، أو إذا شئت صحيح، ولكن.. ليكن في علمك أن أسوأ المعارضين، وأحقرهم، وأتفههم، وأكثرهم ارتهاناً وانبطاحاً، كلهم، على لَمّ الفراش، أحسن وأنظف وأرقى من الرئيس الذي خرّب سورية، وكبّلها بالديون والقروض لمئة سنة قادمة، وعيبٌ على أي واحد منهم أن يتخلى عن شرط إسقاط الأسد.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...