هل قُصفت السعودية من العراق؟

هل قُصفت السعودية من العراق؟

17 سبتمبر 2019
+ الخط -
لم يصدر نص رسمي بأن العراق كان مصدر هجمات فجر السبت الماضي على منشآت نفط تابعة لشركة أرامكو السعودية في محافظ أبقيق في المنطقة الشرقية، وأدت إلى تعطل نصف إنتاج السعودية من النفط، بحسب وكالة بلومبيرغ. ولكن دلائل كثيرة تجعل من فرضية أن تكون الهجمات قد انطلقت من العراق، لعل أولها أن المسافة بين أقرب نقطة يمنية ومحافظة أبقيق تتجاوز الـ1300 كيلومتر، وبالتالي يبدو استهداف تلك المنشآت عبر هذه المسافة بطائراتٍ مسيّرة صعباً. ومعلوم أيضا أن المسافة بين محافظة البصرة جنوب العراق وأبقيق السعودية لا تتجاوز 600 كيلومتر، ناهيك عن الإمكانات المتطوّرة في حوزة مليشيات الحشد الشعبي في العراق، وهي بمثابة أسلحة دولة، بعد أن تحوّل هذا الفصيل جيشا رسميا، وله موازنة حكومية مليارية سنوياً، ناهيك عن الأسلحة التي يتم توريدها إلى الحشد وفصائله من إيران. 
في الهجوم الذي استهدف أنابيب النفط السعودية في مايو/ أيار الماضي، أعلن مسؤولون أميركيون أن مصدر الهجمات كان العراق، في تصعيدٍ وُصف حينها بالخطير، ربما كان السبب المباشر بعد ذلك في استهداف إسرائيل مقرّاتٍ للحشد الشعبي في العراق، ومخازن أسلحته، حيث ذكرت تقارير إخبارية أن عمليات القصف تلك انطلقت من مناطق سيطرة "قوات سوريو الديمقراطية"، وبتعاون ودعم من السعودية ووزيرها ثامر السبهان.
تبدو اليوم خريطة التحالفات والحروب في المنطقة مُفزعة، ففي وقتٍ سعت رئاسات العراق 
الثلاث، البرلمان والحكومة والجمهورية، لتجنيب العراق حمم وشظايا مواجهةٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل، كانت أذرع إيران المسلحة في العراق تعلنها مدوّية وصريحة، وتتحدّى بها السلطات العراقية الرسمية، بأنها ستقف إلى جانب إيران، وتشعل المنطقة، في حال شنّت الولايات المتحدة أي هجومٍ على طهران، وهو موقفٌ يتماهى مع موقف الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، عندما قال إن المنطقة ستشتعل، في حال شن الحرب على إيران.
يبدو أن حروب القرن الجديد لن تكون مباشرة، فهي بالوكالة، فبينما تقف إيران داخل حدودها، وتدّعي ليل نهار أنها تريد حسن الجوار مع المنطقة العربية، فإن مليشياتها في العراق ولبنان وسورية واليمن تؤدّي ما تريده من ضغط، وتخوض ما تريدُه من حروبٍ ضد منافسيها وخصومها، وكذا الحال بالنسبة للسعودية والولايات المتحدة، وحتى إسرائيل، فقد دعمت الولايات المتحدة والسعودية مليشياتٍ كرديةً في سورية، كانت الأراضي التي تسيطر عليها منطلقاً للهجمات الإسرائيلية التي استهدفت مقارّ للحشد الشعبي في العراق خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
العراق الذي كان، إلى وقت قريب، يعتبر بوابة العرب الشرقية، وخاض حرب السنوات الثماني ضد إيران الخمينية التي سعت إلى تصدير ثورتها إلى العالم العربي، بات اليوم من رعاة الحرب ضد دول جواره العربي، فقد سقط في مستنقع النفوذ الإيراني، بعد أن فشلت الدول العربية في إيجاد موطئ قدم لها في عراق ما بعد 2003، واستثمرت إيران هذا الغياب العربي، لتؤكّد سطوتها وسيطرتها على عاصمة عربية جديدة، باتت اليوم تهديداً حقيقياً لجيرانها العرب.
هناك اليوم فصائل عسكرية عراقية تدين بالولاء المطلق لإيران ومرشدها، تُعرف بالحشد 
الولائي، ومعها فصائل مسلحة أخرى تابعة لإيران، وإنْ بدرجةٍ أقل، وهي في المجمل فصائل رسمية منضوية تحت راية الحشد الشعبي الذي تمّت مأسسته عبر قانونٍ وافقت عليه أغلب الكتل السياسية، وباتت لهذه المؤسسة ميزانية سنوية، تُصرف من أموال الدولة العراقية، ناهيك عن توفر كل الإمكانات الأخرى أمامها. وعلى الرغم من ذلك، يحاول العراق الرسمي أن يظهر محايدا إزاء الصراع في المنطقة.
ارتكبت السعودية جملة أخطاء، فقد شجعت وموّلت عملية غزو العراق للتخلص من صدام حسين ونظامه، وإذا كان لذلك ما يبرّره حينها، من وجهة نظر الرياض وعواصم عربية أخرى، فإنه ليس هناك من تبرير في تركها، هي ودول عربية أخرى، العراق لقمةً سائغةً لإيران، معتمدين على وعود قدّمتها الولايات المتحدة بأنها ستمنع سقوطه تحت النفوذ الإيراني. وبجهل وعدم دراية، وفي غياب أي مشروع سعودي للمنطقة، وللعراق خصوصا، راحت السعودية تتقرّب لشخصيات محسوبة على إيران، معتقدة أن المال يمكن أن يشتري كل شيء، بل سبق أن حاصرت قوى وطنية عراقية، ومنعت حتى من استقبال شخصياتها في السعودية، ناهيك عن حملة التشويه المتعمّد التي شنها الإعلام السعودي على المقاومة الوطنية العراقية عقب 2003.
على السعودية أن تستجمع نفسها، وتستعيد بعضاً من قدرتها على المناورة، وهي التي تملك أوراقا كثيرة. عليها أولاً أن تتوقف عن ارتكاب مزيد من الأخطاء، وتذهب مباشرة إلى الحوثيين، وتنهي الحرب في اليمن مقابل اشتراطاتٍ معينة. وأن ترفع الحصار المفروض على قطر، وتمتّن جبهة مجلس التعاون الخليجي الذي فرّطت به في تحالفها الفاشل مع الإمارات. وأن تبدأ عملية ترميم العلاقة مع أطراف عراقية فاعلة، رافضة الهيمنة الإيرانية على العراق. وأن تمد يدها لتركيا القوية. وأن تتصالح مع ذاتها الداخلية بالإفراج عن المعتقلين. بخلاف ذلك، الاعتماد والتعويل على أميركا أو إسرائيل لمواجهة إيران وأذرعها لن يقود السعودية سوى إلى مزيد من التشتت والضياع وفقدان البوصلة.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...