ملهاة المنطقة الآمنة

ملهاة المنطقة الآمنة

15 سبتمبر 2019
+ الخط -
يظهر التعامل الأميركي مع الإلحاح التركي على تطبيق المنطقة الآمنة في سورية مشابهاً لتعاطي بعض الأهل مع الأطفال، عبر محاولة استرضائهم بالحد الأدنى من مطالبهم. هذا ما بدا خلال الكلام الأسبوع الماضي عن بدء تسيير دوريات مشتركة أميركية وتركية في المنطقة المفترض أن تكون هي "المنطقة الآمنة" المرادة من جانب تركيا. الدوريات تم التعاطي معها خلال الساعات الأولى على أنها تدشين للمنطقة الآمنة، غير أن التطورات لم تلبث أن توضحت لتكشف أن الدوريات لم تكن إلا محاولة إلهاء أميركية لتركيا، وهو ما ألمحت إليه التصريحات التركية اللاحقة، وخصوصاً من الرئيس رجب طيب أردوغان الذي ألمح إلى أن الأميركيين غير جادّين بالنسبة للمنطقة الآمنة، وأن الرغبات الأميركية والتركية متعارضة في ما يخص تفاصيل هذه المنطقة. 
لم يكن الأمر غريباً، وكان من المفترض أن الأتراك يعلمونه منذ اليوم الأول لإبرام اتفاق "ممر السلام"، والذي لم يكشف عن تفاصيله، وخصوصاً أن الرغبات متعارضة بشدة على أكثر من صعيد، ولا سيما في ما يخص "قوات سوريا الديمقراطية"، والتي تعد الحليف الوحيد والأخير للولايات المتحدة في سورية، وبالتالي من الصعب جداً بالنسبة إلى واشنطن التخلي عن هذا الحليف بعدما أبلى بلاء حسناً في محاربة "داعش" بدعم أميركي، وهو ما أحجمت عن فعله أطراف عديدة في مرحلة سابقة، وبغطاء إقليمي، لم تكن تركيا بعيدة عنه.
من هذا المنطلق، لا بد أن تكون مدركة أن الولايات المتحدة ليست في وارد منحها كل ما تطالب به في ما يخص المنطقة الآمنة، وهي ستستمر في محاولة إلهاء أو استرضاء أنقرة، إلى حين تتراجع الأخيرة عن بعض الشروط التي تريدها في ما يخص المنطقة، ولا سيما عرضها الذي ترغب في أن يكون 30 كيلومتراً، ما يعني احتواء كل المناطق التي تحت سيطرة القوات الكردية، إضافة إلى نزع سلاح هذه القوات. واشنطن ليست في هذا الوارد حالياً، خصوصاً وهي ترى تعاظم النفوذ الإيراني والروسي في سورية، وفي ظل عدم الثقة التامة بالحليف التركي، والخشية من التفافه في أي لحظة.
في المقابل، فإن تركيا على عجلة من أمرها لنيل بعض المكاسب على الأرض السورية، وخصوصاً في ظل الحديث المتزايد عن اقتراب شن حملة واسعة من النظام والروس والإيرانيين للسيطرة على إدلب، وبالتالي إنهاء آخر مناطق المعارضة السورية. أنقرة لا تريد الخروج خالية الوفاض من الأزمة السورية، وتسعى إلى تسجيل نقاط على حساب الروس والإيرانيين، بالتفاهم مع الولايات المتحدة، لتثبيت الوضع كأمر واقع دولي.
لكن في ظل الخلاف حول مفهوم ومنطق ومساحة هذه المنطقة، لا يبدو أن الأمور تسير في صالح تركيا. ورغم الحديث المتزايد من قبل أردوغان عن تطبيق المنطقة الآمنة بشكل منفرد، إلا أن أنقرة تدرك استحالة حدوث هذا الأمر لأكثر من اعتبار، بداية من فكرة الدخول في مواجهات عسكرية مع قوات "قسد" المدعومة أميركياً، وبالتالي الدخول في معركة بالوكالة مع الجيش الأميركي، إضافة إلى صعوبة ترسيخ السيطرة التركية في هذه المنطقة في ظل عدم الحصول على الموافقة الدولية، الأميركية أولاً والأوروبية ثانياً، وخصوصاً مع إدراك أنقرة أنه من المستحيل أن توافق روسيا على اقتطاع مثل هذه المساحة من الأراضي السورية.
في ظل مثل هذه الوقائع السياسية المتعارضة بين واشنطن وأنقرة، ستبقى فكرة المنطقة الآمنة ملهاة غير قابلة للتطبيق. فما تريده تركيا من المنطقة حقيقة هو عكس ما تعلنه رسمياً، فإعادة مليون ونصف المليون لاجئ سوري إلى هذه المنطقة، ليست الهدف الأساس لأنقرة، بقدر ما هو إضعاف القوات الكردية وإبعادها عن حدودها ومنع تشكل كردستان أخرى في سورية. التفاهم الأميركي والتركي يقف عند حدود النقطة الأخيرة، فيما المعضلات الأخرى ستبقى محل أخذ ورد لا ينتهي من دون خفض السقف التركي.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".