إيران.. والوساطة الفرنسية

إيران.. والوساطة الفرنسية

15 سبتمبر 2019
+ الخط -
زاد نشاط الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال الأسابيع الماضية، بما يخص الملف الإيراني الأميركي، ومصير الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة. ظهرت الحركة الفرنسية أخيرا بعد أن أجرى ماكرون اتصالاً هاتفياً حميماً مع نظيره الإيراني، حسن روحاني، استمر ساعتين، بدا بعده المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربعي، متفائلاً. وصل التعاون الفرنسي إلى حده الأقصى، بظهور مفاجئ لوزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، في الفندق الذي يجتمع فيه قادة الدول الصناعية السبع، واجتماعه بوزير الخارجية الفرنسي، ثم بماكرون، بمشاركة دبلوماسيين ألمان وبريطانيين في الجلسة. تضع الرئاسة الفرنسية الحدث ضمن إطاره الدبلوماسي الشرعي، عندما تعلن أن اللقاء كان بمعرفة الولايات المتحدة، ثم يظهر التوغل الفرنسي عندما تعلن باريس عن استعدادها لفتح خطوط ائتمان مالية، بقيمة تصل إلى 14 مليار دولار حتى نهاية العام الحالي، في مقابل التزام إيران من جديد بالاتفاق النووي، وتغاضي الولايات المتحدة عن بعض العقوبات التي فرضتها. يتحرّك ماكرون ولديه دعم من ألمانيا وبريطانيا، فالدول الثلاث تشعر بأن اختراقاً يمكن أن يحدث. يجري ذلك، وإيران تزحف ببطء، متجاوزة خطوط الاتفاق المذكور، بشكل مدروس لا يعطل دأب ماكرون، ولا يُشعِر داعميه الأوروبيين بالإحباط، والأهم أن الاختراق لم يستفز إسرائيل وأميركا بالدرجة الكافية، لتشعرا بقلق جدي. 
سيأخذ هذا النشاط معنىً سياسياً منتجاً، إذا تم اللقاء المباشر بين طرفي الأزمة، ترامب وروحاني. ولا يخفي الطرفان رغبةً متحفظة في ذلك، يدل عليها طول النفس الأميركي عن تحرّكات إيران الاستعراضية في الخليج، وقد تراجع ترامب، قبل أشهر، عن هجوم جوي أميركي على إيران قبل وقوعه بلحظات. كما تحرص إيران، على الرغم من بعض الصراخ المتعلق بجناحها المتشدد، على أن تبقي خروقها الاتفاق النووي ضمن الحدود التي تقبل بها أميركا وإسرائيل، ولكنها تضع شرطاً للقاء، وهو رفع العقوبات، ويبدو أن ماكرون قد وجد حلاً لذلك، فأقنع ترامب خلال قمة الدول الصناعية السبع برفع بعض تلك العقوبات، تمهيداً لهذا اللقاء الذي راح ضحيته المستشار جون بولتون، وهذا رجل إدارة لا يقنع بالتفاهم ولا بالحوار، ولديه مواقف شديدة العدوانية تجاه إيران ودول مشابهة، وخروجه ليس ردة فعل رئيس غاضب، بقدر ما هي استعداد للمسير في طريق مختلف. وقد عبر ترامب عن ذلك عبر "تويتر" فقال: "لقد أدخلَنا بولتون إلى العراق (2003)، وكان بعيداً عن الانسجام مع سياستنا في فنزويلا"، بما يعني أن ترامب بعد بولتون قد يمضي في أكثر من مسار تصالحي مع أكثر من دولة.
يبدأ العد التنازلي لانتخابات الرئاسة الأميركية، ويبدو أن ترامب بحاجة لانتصارات دبلوماسية، ولا بأس إن هندس اتفاقاً مغايراً للاتفاق السابق مع إيران بشأن السلاح النووي، بما يمكن أن يندرج في سياق انتصار قد يُكسبه بعض النقاط. ويأخذ ماكرون على عاتقه مشقة تقريب الكرسيين، الإيراني والأميركي، فيما يمكن أن يُعد خطوة أولى في تقاربٍ سيسير في طريق طويل، قد لا ينتهي إلا بحلول الانتخابات، وعندها قد تشعر أوروبا بالارتياح بتعامل قانوني مع إيران، من دون أن يعني ذلك حلول وفاق نهائي بين الأطراف، ولكن جرّ إيران إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى يمكن أن يعد نصراً. بالتأكيد، لن يمر هذا التقارب من دون ظهور عوارض جانبية، كاعتراض إسرائيل مثلاً. ويمكن لمس بوادر هذا الاعتراض في السقف المرتفع الذي أعلن عنه رئيس وزراء إسرائيل، نتنياهو، بتعهده بضم غور الأردن إن أعيد انتخابه، وقد كان في غنىً عن هذا التعهد، فانتخابه وارد بنسب كبيرة. ويمكن لهدنة أميركية إيرانية أن تطلق اليد الإيرانية في المنطقة بشكلٍ أعنف، وقد لا تتمكّن الهجمات الإسرائيلية على أهداف في سورية ولبنان من كبحها.