العالمي وعقدة الآخر

العالمي وعقدة الآخر

14 سبتمبر 2019
+ الخط -
هناك لقب يستخدمه العرب، هو مصطلح "العالمي"، في معرض تمجيد شخص ما، فنان أو كاتب أو لاعب رياضي أو موسيقي أو رسام أو صاحب أي مهنة إبداعية، إذ نقرأ عن كاتب عربي في تعريفه أنه عالمي، ونقرأ في شارة فيلم، أو مسلسل عربي، الممثل العالمي فلان. حتى في مجال النقد والكتابات الصحافية، يتم استخدام هذا المصطلح دلالة على أهمية الشخص المذكور. وفي التعاريف حول مصطلح العالمية، نادرا ما نجد أن الأفراد يمكن أن يوصفوا بهذه الصفة. وغالبا تتعلق العالمية بالأفكار والظواهر والقيم والمجرّدات أحيانا، لا بالأفراد، إلا إذا كان الفرد شخصيةً تركت أثرا كبيرا على شعوب الأرض عبر تاريخ البشرية، كالأنبياء أو القادة أو الفلاسفة العظماء. وأحسب أن كلمة "أممي" تصلح أكثر لوصف الأنبياء أو القادة أو الفلاسفة العظماء من كلمة "عالمي"، فمثلا يمكن القول عن مطار ما إنه عالمي، لأنه يحوي مواصفاتٍ تتطابق مع معايير دولية وعالمية، لما يجب أن تكون عليه المطارات. وكذلك الدواء، أو سياسة ما، أو تنظيم حدث كبير ما. 
كل ما يمكن أن يكون خاضعا لمعايير موضوعة من مختصين من كل العالم يمكن أن تُطلق عليه صفة العالمي، أو فكرة تركت أثرها على عموم البشر، كفكرة التوحيد، وكل ما يتعلق بها من دياناتٍ ومعتقدات لاحقة. وهذا ما لا ينطبق على البشر والأفراد الذين يصبح إطلاق لقبٍ كهذا عليهم بمثابة المديح المفرغ من معناه، حيث لا يعبر عن أي قيمةٍ إيجابيةٍ حقيقيةٍ للفرد الممدوح، إذ لا يختصّ مصطلح العالمي فقط بما هو إيجابي وجيّد وخلاق، فالاغتصاب مثلا ظاهرة عالمية، والجريمة والسرقة والكذب، وكل ما يخطر لكم من الصفات السيئة، بقدر ما هو الخير والجمال والفن والحب هي ظواهر عالمية أيضا.
يبدو لي أحيانا أن العلاقة العربية مع العالمية مرتبطة بالمكان أكثر منها بأي شيء آخر، فكل ما هو خارج بلادنا العربية عالمي، وكأن العالم هو الآخر الذي يتكلم لغة مختلفة، وكأننا لسنا جزءا من العالم أيضا، وكأن لغتنا وصفاتنا وخواصنا وتاريخنا ليست أجزاء منه. لهذا مثلا نقول عن ميريل ستريب الممثلة العالمية، لا الأميركية. نتناسى جنسيتها ولغتها وموطنها والقارة التي تنتمي لها بلادها. هي عالمية لأنها أتت إلينا من "المركز" الذي يفرض علينا سطوته، مركز "الرجل الأبيض"، السياسي والمالي والعسكري والثقافي، المركز القوي.
كل ما يصدّر إلينا من هناك يصبح عالميا لنا، ونتعامل معه بوصفه "أيقونةً ما"، بغض النظر عن مستواه، وعن ما يقدمه أساسا. لقد اعترف مركز أو متن العالم به، بعد أن كان يشبهنا، هامشيا مثلنا، لا يفكر به أحد. ثمّة أمثلة لا تُحصى في حاضرنا عن هذه العالمية، فمثلا ما أن يشارك ممثل عربي في دور ما في فيلم أميركي أو أوروبي ستطلق عليه الصحافة العربية لقب العالمي مباشرة، وهو أيضا لن يرضى بأقل من هذا اللقب في التعريف به. أما لو شارك ممثل سوري في فيلم مصري أو تونسي، أو في أي فيلم منتجٍ في دولةٍ من العالم الثالث، لما اهتم أحد به، ولما طمع بلقب العالمي، فهؤلاء مثلنا، ليسوا العالم. العالم في مكان آخر، حيث القوة والسلطة والمال وصناعة القرار فقط.
الأمر نفسه بما يخص الكتاب الذين تتم ترجمتهم إلى لغة أوروبية ما، يصبح واحدهم عالميا ما أن تصدُر ترجمة عمله، حيث الاعتراف بإبداعه أتى من هناك، من المتن الذي أزاحه مقدار بوصتين عن الهامش، لكنها المسافة التي تكفي لتمايزه عن الهامشيين الذين لم تصل إليهم يد المركز بعد. هكذا يصبح الكاتب العربي عالميا، مثل الممثل ولاعب كرة القدم والرسام وغيرهم.
هل مبدعو الغرب الذين يعرفون أنهم مشهورون في بلاد العرب يتفاخرون بلقب العالمية؟ هل تعنيهم هذه الصفة أساسا، أم أنهم لا يملكون عقدة الدونية التي تتملّكنا، نحن العرب وشعوب العالم الثالث، تجاه العالم الغربي (المستعمر)، مع أن اللغة العربية في التاريخ البشري كانت يوما لغة "استعمار"، أيضا!؟ هل للأمر علاقة بإدراكنا أننا في الأنساق المتأخرة من العالم حاليا على كل المستويات، وأننا هامشيون إلى درجة أننا غير مرئيين، لهذا نحتفي بمبالغة واضحة بمن يعترف به الآخر؟
BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.