فردوس الواقع

فردوس الواقع

12 سبتمبر 2019
+ الخط -
لم ولن نكسر وطننا يوما، لقد كسرنا من الوطن ذاته، لقد تعلمنا على مبادئ "موطني" للشاعر إبراهيم طوقان، ونشدنا معهم "فدائي" على ألحان الثلاثي جبران. لقد اعترفنا بوطننا في داخلنا، شاهدنا واقعنا الدامي بكل أنواعه: استشهاد، اعتقال، قتل، موت، اغتصاب، تعبير، هجرة ولجوء، ندم واستغلال، غربة ومنفى، لاجئ ونازح. 
كإجراء من مشاهد درامية في مسلسل التغريبة الفلسطينية: لاجئون، لم نكن هكذا ننظر إلى أنفسنا في تلك الظروف القلقة المحمومة! بعد حين فقط ستقفز هذه الكلمة إلى المعجم لتصبح هويتنا التاريخية وإطارنا الاجتماعي، تماما مثل كلمات النكسة والوطن السليب والفردوس المفقود. هذا هو الحال، لقد تقسمنا إلى أجزاء من دون جامع، من دون أي أيديولوجية واستراتيجية معينة للعودة للوطن الواحد.
لقد تقطعت سبل الوصال بين أوصالنا، وبقيت العادة والتقليد تعريفا حكريا على المناسبات العامة كالأعياد والمناسبات الخاصة بالفرح والعزاء، كشركة الكهرباء في موطني تعطيك جزءا وتصمت في حق الباقي، كشركة الاتصال التي تبيعنا الهواء من أجل محادثة ليلية وبوست ورأي نطرح فيه عمق تجاهلنا للواقع، حيث نرى من خلالها العمق الدماغي الذي وصل به أبناء جيلنا من تشوه فكري، والذي يعود الفخر في إنشائه للنظام القائم الداعم لحرية التعبير، بعيداً عن أي مس بحقوق الطبقة العلوية.
افعل ما شئت، ولكن لا تنزع لنا سكرة الحياة الأبدية، ويقصدون هنا عدم المس بالحياة الاعتيادية التي تعوّد عليها أبناء من كانوا يعتقدون أنهم حررونا من الأفكار الصليبية ومبادئ عرقلة السياسة الفكرية والاحتلال الوهمي للعقول البشرية، والتي باتوا يخرجونها لكي ترى النور من خلال توابيت وضعت عليها للتعرف على صاحبها شهادة علمية.
لقد تم سلب كل أفكارنا من خلال دفاتر ذكريات زمنية سجلناها بعقولنا ذات يوم، وسلمناها تسليم اليد لأيد وضعتها طلبا وظيفيا غير مدعوم بـ (واو) في سلة مهملات، أثقلت من أحاديث جانبية بين خريجي أعوام الحاضر والماضي، والذين كُتب عليهم شرط جوهري للقبول: الخبرة في المجال المتقدم إليه لا تقل عن خمس سنوات ضوئية.
في أحيان كثيرة، يتم العمل على حياة أخرى ومشروع آخر، لكن أين السبيل إلى وصالك دلّني؟ في الأزمة الحالية لا يوجد سوى الكتابة عن الواقع، ماذا لو اخترنا يوم ما الكتابة عن المستقبل؟ في قراءة سريعة للمستقبل، تجد كلمة عطب، وتم التعطيل، لا تتحدث ولا تنطق بهذه الكلمة، استمر على كلمات كشذب واستنكار وإدانة ومسؤولية.
لا تعلق أحلامك كثيراً لأنها ذات يوم ستتساقط كتساقط أوراق شهر تشرين في الخريف المقبل لحلمك، وسيلتقطها شخص آخر، ويحولها إلى جنة أبدية، كونه يستحمل مصاريف حلمك التي لم تقدر على جمع قوتك اليومية.
في وطني، عشنا فوق الأرض أمواتا وسنعيش تحتها أمواتا، لقد وضع الدستور لحمايتنا ولم يوضع للسطو علينا، ووضع الاستبداد حقا شرعيا في ديباجته للقائمين على السلطة، واجب كل سلطة قائمة أن تقوم بتوفير وظيفة لكل متخرج وكل طالب عمل، لا توجد أعذار لدينا لأي سبب يتم الاحتجاج به.
أي حق وأي واجب، ما دام هناك شيء جوهري مفقود في حالتنا الاجتماعية وفي قانوننا الاستهلاكي المبني على الأخذ لا العطاء؟ استهلاك العقل في التفكير والعقل في البحث والجسد في العمل، عن أي دولة تتحدّثون، ونحن الصامد منا يعيش على كسرات الخبز التي ترمى من نوافذكم؟ أي إنسان منا يحلم بالعيش في أبسط وضع معيشي، ولكن تحت كلمة كرامة لا تمس وتعامل متساو، (مش ادعس عليه وخذ إلي بدك إياه منو وكبو، وتعامل معو بمناخير مرفوعة).
النهوض بالتعليم والأمن والأمان والحرية الفكرية والعقائدية وضمان سير المؤسسات والعدل وحفظ الروح والجسد وصون الحقوق، كلها واجبات على القائمين، وواجبات علينا كأفراد، نحن المسؤولين، عن السلطة ونحن أهلها.
007473A8-520F-4D64-8601-96A8CF5C63BE
007473A8-520F-4D64-8601-96A8CF5C63BE
ياسر جهالين (فلسطين)
ياسر جهالين (فلسطين)