.. ومات الأسير في سجنه

.. ومات الأسير في سجنه

11 سبتمبر 2019

مات بسام السايح أسيرا أمام صمت العالم

+ الخط -
خبر صغير من جملة الأخبار السيئة التي نقرأها، وترفع ضغط دمنا كل يوم، حتى اعتدنا على مقياس ضغط دم معين، هو في ارتفاع دائما. الخبر أن الفلسطيني الأسير، بسام السايح، يحتضر في سجن للاحتلال الإسرائيلي، يعني أنه سيموت في لحظة ما في هذا السجن، يجود بأنفاسه الأخيرة وحيدا فيه. 
ثم مات في سجنه، بسام السايح، أحد الأبطال الأسرى. انتهت ملحمة بطولته بموته في السجن، وهو معتقل منذ أكتوبر/ تشرين الأول في العام 2015، حيث يتهمه الاحتلال بالتخطيط لتنفيذ عملية مساء الأوّل من أكتوبر من عام 2015، وأسفرت عن مقتل مستوطنيْن بإطلاق نار من نقطة صفر. واعتبرت العملية بطوليةً ونوعيةً، حيث قُتِل رجل وامرأة إسرائيليان، ولم يصب أيٌّ من الأطفال في السيارة التي كانا يستقلانها بأذى.
سنوات، ظلّ الأسير السايح يعاني من سرطان العظم والدم، وتضخّم في الكبد. وحذّرت مؤسساتٌ تعنى بالأسرى من أنّ قلبه لا يعمل بأكثر من رُبع طاقته، ومن تجمّع المياه في جسده وعلى رئتيه، ولكن لا حياة لمن تنادي، فلم يؤخذ بالاعتبار وضعه الصحي المتردّي. وقد أفاد نادي الأسير بأن السايح واحد من بين أكثر من سبعمائة أسير يعانون أوضاعًا صحية سيئة وخطرة، منهم ما يقارب 160 أسيرًا بحاجة إلى متابعة طبية مستمرة. وفي الحقيقة، إن بعض الأسرى المرضى، وغالبيتهم ممن صدرت بحقهم أحكام عالية، قد أُغلقت ملفاتهم الطبية، بذريعة عدم وجود علاج لهم.
في الجانب الآخر من قصة الأسير الشهيد بسام السايح، هناك سيدة تدعى منى أبو بكر السايح، أو كما يطلق عليها الرجل الذي تزوجها لقب قمر الأحرار، تلك الشابة من مواليد 1980، وكانت تعمل في عدة مؤسسات عامة تعنى بالأسرى وحقوق الإنسان، حتى تعرّفت إلى الصحافي الأسير بسام السايح نهاية عام 2007 ليبدآ معا مشوار الكفاح من أجل الوطن، وقد دفعا ثمنه غاليا، لكن ذلك لم يزعزع صرح الحب قيد أنملة.
خاض الأسير بسام وزوجته معركة كبيرة معا، لكي يصمد حبهما، ولكي يستمرا معا. ومما ترويه منى أن الاحتلال الإسرائيلي منحها تصاريح مرات لزيارة بسام في سجنه، على الرغم من أن قوانينه صارمة في هذا الأمر؛ لأنها أسيرة سابقة، ولا يحقّ للأسير السابق زيارة الأسرى، ولكن إصدار تصاريح لزياراتها يكون لتثبيط همتها وعزيمتها، وإدخال مزيد من الحزن والأسى على قلب بسام، المريض خصوصا، كأنهم يتعجّلون نهايته، ففي كل مرة، كانت منى تزوره تفاجأ بوضعه الصحي المتردّي، وبأنه أصبح غير قادر على الكلام بسهولة، وأصبح محمولا بين أيدي الأسرى، ويدفعونه على كرسي متحرّك، ولكنه ظل محتفظا بابتسامته حتى النهاية، الابتسامة التي أوجعت قلوب الأصدقاء قبل الأعداء، وكان يقول فيها للجميع إن الحب سيبقى قويا، يا منى، وإن السجن للأبطال.
مات الأسير السايح في سجنه أمام صمت العالم، وعدم وجود تحرّك دولي لإنقاذ حياته، مجسّدا بكل وضوح مشاركة جماعية في جريمة موت بطيء، تجري على أرواح الأسرى وأجسادهم؛ فقد ضحّوا بأعمارهم وحريتهم من أجل أوطانهم. وقد كانت الحالة المرضية للأسير السايح الذي مات بعد أيام من إتمامه عامه السادس والأربعين (مواليد 31 أغسطس/ آب 1973) تعد الأسوأ في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بسبب الأمراض التي كان يعاني منها، الواحد منها أخطر من الذي يليه، وكلها متلاحقة، ونتيجة طبيعية لإهمال العلاج والمساومة على تقديمه، حتى رحل بسام وحيدا من دون أن يُمسك بيده أحد، لكي ينطق بالشهادة، من دون أن يغلق عينيه أحد، ومن دون أن تطبع زوجته قبلة دافئة على جبينه، قبلة الوفاء التي هي عنوان قصة حب بين الجدران، لن ينساها التاريخ، وسجلتها جدران الزنازين.
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.