هل بدأت التهدئة في المنطقة؟

هل بدأت التهدئة في المنطقة؟

09 اغسطس 2019
+ الخط -
الأخبار التي تناقلتها وكالات الأنباء عن توقيع اتفاق بين قادة الحراك في السودان والهيئة العسكرية الحاكمة تبشر أن هذا البلد الواسع الذي اعتبِر سلة الغذاء العربي في يوم من الأيام قد بدأ يشق طريقه نحو الاستقرار. وعلى الرغم من كثرة المشككين في صعوبة التحول المنتظر، إلا أن الاتفاق الموقع يؤكد أن الأطراف الداخلية المؤثرة، والجهات الخارجية الضاغطة قد وصلتا إلى تفاهم بشأن هذا الأمر.
وكذلك، نقلت إلينا الأخبار من الدوحة ومن واشنطن وكابول عن تفاهم فريق حركة طالبان الأفغانية المفاوض مع الجهات الحكومية بوساطتين أميركية وقطرية. وإذا صح هذا القول، على الرغم مما قيل عن مقتل حمزة بن أسامة بن لادن، فإن في هذا إنعاشاً للأمل بأن الولايات المتحدة سوف تبدأ بسحب بعض قواتها من أفغانستان، وأن هذه الحرب المدمرة التي طال عليها الأمد ربما بدأت تسير على درب الوفاق والاتفاق، بدلاً من الخلاف والشقاق.
وإذا ما وصلت الأطراف المتناحرة في اليمن إلى القناعة بأن لا غالب ولا مغلوب، وأن الحرب الدائرة لن توصل أحداً إلى حسم المعركة لصالحه، وأن توازن الرعب الذي تسعى الأطراف المتحاربة إلى ضمانه لصالحها ينطوي على كلفة عالية في الأرواح والعتاد والمال، فلربما تثمر المساعي في تقريب وجهات النظر، وإلى تغليب العقل ووضع المحاريث مكان السيوف.
وليبيا التي فشل الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في السيطرة على طرابلس، على الرغم من الدعم الأميركي له، قد تبدأ أيضاً في القناعة أن التهدئة هي خير وسيلة للتفاهم، خصوصا وأن الأوروبيين الأقرب إلى شواطئ ليبيا من الأميركان لن يتخلوا عن رئيس الحكومة، فائز السراج.
ولكن يجب أن نتنبه إلى أن التهدئة قد تأتي بثمنٍ يتمثل في احتمالات تقسيم بعض هذه الدول إلى أكثر من دولة، فاليمن مرشح لذلك. وقد ينطبق الأمر نفسه على ليبيا التي قد تنقسم بين الشرق والغرب مع صعوبة استكمال هذا التقسيم على المناطق الجنوبية الصحراوية والمتاخمة لدول أفريقيا الصحراوية.
ولن نستمر في تحليل احتمالات التقسيم في السودان، لأن الأرجح أن تبقى دولة موحدة، على الرغم من الاختلافات القائمة على إقليم دارفور. ولكن إن طبق التفاهم المتوصّل إليه بطريقة ديمقراطية، وشعر أهل دارفور أن لهم دوراً فاعلا في إدارة البلد، فسوف يفضلون البقاء فيها بدلاً من السعي المكلف للانفصال عنها.
أما فلسطين، فمن الواضح أن الشهرين المقبلين سيكونان مليئين بالتجاوزات المدعومة من الحكومة الإسرائيلية الحالية. وهي تجاوزاتٌ لم تعد محصورة في فلسطين، بل وتمتد إلى الأردن. وحتى تقع الانتخابات التشريعية المقبلة في إسرائيل يوم السابع عشر من سبتمبر/ أيلول المقبل، فإن من مصلحة نتنياهو وحزب الليكود والمتطرفين أن يظهروا قوتهم وقدرتهم على تجاوز الحدود في الاعتداء على الأقصى، والقدس، وزيادة الاستيطان، وهدم الأحياء والمنازل، وتعمد قتل الأطفال في غزة عندما يخرجون للتظاهر على الحدود ضد حصار إسرائيل عليهم.
ولاحظنا أن المتطرّفين الإسرائيليين قد تقصدوا الدخول إلى مقام النبي هارون في البتراء في جنوب الأردن، وإجراء الطقوس اليهودية فيه علناً، ما دفع الحكومة الأردنية إلى إغلاقه. وكذلك، أوقف تصوير فيلم ورد في نصه السينمائي ما يدّعي أن لليهود تاريخا في البتراء. ولكن الأهم، هو التسريبات الإسرائيلية عن أن ترتيباتٍ سريةً تجري لنقل الوصاية الهاشمية التاريخية إلى أسرة مالكة عربية أخرى.
وقد عاد مستشار الرئيس الأميركي وصهره، جاريد كوشنر، إلى المنطقة بهدف دعوة ست دول عربية إلى قمّة في كامب ديفيد قرب واشنطن العاصمة. ولكن الموضوع نفي، وبقيت مهمة كوشنر غير واضحة، مثل مضمون ما تسمى صفقة القرن.
وأخيراً، هنالك التقلبات في الموضوع الإيراني، فبعدما استأثرت المملكة المتحدة بالأخبار بسبب احتجاز إيران سفينة تحمل العلم البريطاني في مقابل حجز جبل طارق بتأييد من المملكة المتحدة لشحنة نفط إيرانية، عاد الموضوع إلى الزوايا بعد تولي بوريس جونسون رئاسة الحكومة البريطانية، والتهاء الرئيس الأميركي، ترامب، بحملته الانتخابية الداخلية، وبنية نواب الحزب الديمقراطي السير في إجراءات لخلعه.
الوصول إلى تفاهمات في المناطق الساخنة صار أقرب منالاً في منطقتنا. وكفة التهدئة في ميزان المنطقة ربما بدأت ترجح على حساب كفة التوتير. ولكن الصراع الأكبر يبقى بين الولايات المتحدة والصين، وهو العنصر الأكبر في تحديد مستقبل المنطقة والعالم.
DE3CC522-1FC2-42A3-BA9C-6296B4AB54D9
جواد العناني

سياسي واقتصادي أردني. مواليد 1943. نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية سابقا، شغل عدة حقائب وزارية، الخارجية والسياحة والإعلام والعمل. دكتوراه في الاقتصاد من جامعة جورجيا الأميركية.