مآل "الثمن السياسي" الإسرائيلي للتسوية

مآل "الثمن السياسي" الإسرائيلي للتسوية

07 اغسطس 2019
+ الخط -
ينطوي جزء من هجوم اليمين الإسرائيلي على رئيس الحكومة السابق إيهود باراك، على خلفية عودته إلى التنافس في الانتخابات العامة المزمعة في 17 سبتمبر/ أيلول المقبل، على تهمة كونه صاحب "عرض السلام السخيّ" على الفلسطينيين إبّان قمة كامب ديفيد بينه وبين ياسر عرفات عام 2000. ووفقاً للمهاجمين، جعل هذا العرض عملية التسوية بين الجانبين تستند، لأول مرة، إلى حلّ الدولتين على أساس خطوط 4 يونيو/ حزيران 1967 مع بعض التعديلات، بما يتجاوز حتى الموقف الذي ظلّ عرّاب اتفاقيات أوسلو إسحاق رابين، يتبناه حتى مقتله في خريف 1995، وفحواه الإصرار على عدم أخذ تلك الخطوط في الاعتبار.
بموجب الرواية نفسها، تسبّب عرض باراك هذا، بغضّ النظر عن صحة توصيف أولئك المهاجمين بأنه سخيّ، ومن دون الغوص في الأسباب الحقيقية لرفض الفلسطينيين له، التي كان لها ما يبرّرها، بعرض سلام أكثر سخاءً قدّمه رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت عام 2006، الذي عرض في ذلك الوقت بدايةً رزمة من الوعود على الفلسطينيين، لكنه طلب منهم في مقابلها دفعة ثمينة على الحساب، هي قبول "شروط اللجنة الرباعية" (من بينها اعتراف حركة حماس بإسرائيل) وتطبيق خريطة الطريق (حلّ فصائل المقاومة بحجة أنها "إرهابية")، والإفراج عن الجندي الإسرائيلي الذي كان أسيراً في قطاع غزة. وأراد بذلك أن يقذف الكرة بشأن المسؤولية عن الجمود السياسي إلى الملعب الفلسطيني. أمّا بالنسبة إلى الحدود المستقبلية مع الفلسطينيين، فأكّد أنها ستتقرّر بموجب "رسالة بوش" إلى إرييل شارون عام 2004 المعروفة باسم "رسالة الضمانات". وقد ورد فيها أنه "في ضوء الواقع الجديد في الميدان، بما في ذلك قيام تجمعات سكنية إسرائيلية كبيرة، من غير الواقعيّ توقّع أن تكون نتيجة المفاوضات حول الحلّ الدائم العودة الكاملة إلى حدود الهدنة في عام 1949". وفي إسرائيل، فسّروا ذلك بأنّه اعتراف أميركي بضمّ الكتل الاستيطانية في أراضي الضفة الغربية، تقريباً بحسب مسار الجدار الفاصل، غير أنّ اللغم موجود في باقي الرسالة، في الجملة التي تعد الفلسطينيين بأن يكون أيّ تغيير في الخط الأخضر متفقاً عليه بين الطرفين. ومعنى ذلك أن الاقتراح بالانسحاب إلى الجدار هو موقف استهلالي، وستطالب إسرائيل بتعويض الفلسطينيين عن المناطق التي ستضمّها إليها. في الوقت عينه، أمل أولمرت أن تشجّع أجندته السياسية هذه التي عرضها عقب انتهاء حرب تموز 2006 في لبنان، وسائل الإعلام على أن تتعامل معه وفق ما تعاملت مع شارون خلال الانفصال عن قطاع غزة، وأن تطالب مراقب الدولة والمستشار القانوني للحكومة ولجنة تقصّي وقائع حرب لبنان بأن تدعه وشأنه، لئلا تفوّت فرصة أخرى لتحقيق تسوية سياسية للصراع مع الفلسطينيين.
ورد عرض أولمرت هذا ضمن خطابٍ أطلق عليه في ما بعد اسم "خطاب سديه بوكير"، نسبة إلى مكان إلقائه في مدفن رئيس حكومة إسرائيل الأول ديفيد بن غوريون، وذلك بعد فترة قصيرة من إخفاقات الحرب في لبنان. وفي وقت كانت فيه إسرائيل تعجّ بلجان التحقيق، وأضحت مكانته في هبوط كبير في استطلاعات الرأي العام. وراج في حينه التقدير بأنه يفعل هذا من أجل بقائه الشخصي، والحفاظ على ائتلافه الحكومي، مثلما سلفت الإشارة.
يفيد إيراد هذه الوقائع في عقد مقارنة بين ما كانت عليه دولة الاحتلال قبل 13 عاماً وما هي عليه الآن، في ضوء تكرّر وجود ظاهرة رئيس الحكومة الذي يعمل من أجل بقائه الشخصي، كما هي حال بنيامين نتنياهو هذه الأيام، فليس فقط أن نتنياهو لا يريد تسوية سياسية مع الفلسطينيين، إنما يهدف أيضاً إلى فرض استسلام عليهم. وبرنامجه الوحيد في الانتخابات الوشيكة، التي سبقتها هو الاستيطان والتهويد وضم أكبر مساحة من أراضي الضفة المحتلة إلى إسرائيل. وإذاً، ما يحدث ليس تآكل الثمن السياسي للتسوية التي تتظاهر إسرائيل بأنها مستعدّة لدفعه فحسب، إنما أيضاً إبداء الرغبة بدفع ثمن الصراع.