مُكافأة القارئ

مُكافأة القارئ

05 اغسطس 2019

(لؤي كيالي)

+ الخط -
من الجميل أن تستمر بعض وسائط الاتصال والتواصل، ومنها الراديو، في الاهتمام بالكتاب وتخصص له حيزا في برامجها، في زمنٍ اشتدّ فيه التنافس على المثير، وحتى الشاذ، من توافه الأمور. ومن بين هذه البرامج التي تبعث الأمل "كتاب أعجبني" الذي تتلخص فكرته في أنّ من يُكمل قراءة كتاب يحصل على "مكافأة" معنوية مهمّة، وهي مرورُه على أثير الإذاعة العُمانية للحديث عن كتابه المفضّل. ويتشكل مستمعو هذا البرنامج التثقيفي من مختلف فئات المجتمع، خصوصا ممن يقودون سياراتهم، أو الطلاب في حافلاتهم صوب مدارسهم وجامعاتهم ومعاهدهم، أو سائقي سيارات الأجرة وراكبيها الكثيرين، فالإذاعة لم يعد يسمعها، في الغالب، إلا هذا المجتمع المتنقل إن جاز التعبير، أي من تصادف وجودهم في سياراتهم، والزحمة على أشدّها في معظم الأوقات. كما أن البرنامج يعاد مرتين في اليوم (صباحا ومساء). ولذلك، سيحظى المشترك أو المشتركة باستماع عدد مفتوح من المتتبّعين، يفوق عددهم لو كان لقاؤه في التلفزيون أو في صحيفة سيّارة. 
تتمثل القيمة التثقيفية لهذا البرنامج في التذكير بالكتاب أولا، وفي انفتاح قنوات الاتصال الرسمية على الجمهور العام، ثانيا. والفكرة لا تتطلب أو تشترط، بالضرورة، قارئا نموذجيا، وإنما يكفي، لكي تلتحق بركب البرنامج، أن تكون قارئا لديك القدرة على أن تُبرّر إعجابك بما قرأت، وبلغة عربية سليمة. كما يمكنك أن تشارك أكثر من مرّة، بحسب ما قرأت من كتبٍ أعجبتك. ويكون الاتصال، في الغالب، من كاتبٍ يتصل به مقدّم البرنامج، ولكنْ يحدث أن يكون الاتصال من مدرّس أو طالب متحمس للقراءة يتصل للمرة الأولى. والشيفرة المشتركة بين المتصِل والمتصَل به هي، دائما، "كتاب أعجبني."... وقد يحدث، كذلك، أن يأتي ضيفٌ للمشاركة في فعالية ما في السلطنة، فيلتقيه مقدّم البرنامج، ويسأله إن كان لديه كتابٌ أعجبه. وسنكون، بالتالي، أمام علاقة ثلاثية الأبعاد، أولا بين القارئ والكتاب الذي اختاره طواعية من دون إكراهات أو تزكيات، ثم بين هذا القارئ والبرنامج الذي بحث عنه طواعية كذلك، ثم بين البرنامج وعموم الناس الذين قد يتابعون البرنامج. وقد يتصل ذلك القارئ الجديد (الذي أعجبته "اللعبة") مرة أخرى، من أجل كتاب آخر. وسيلبي مقدّم البرنامج الدعوة، لأن موضوعا جديدا في الطريق إليه. كما يحدُث أن يتحوّل القارئ إلى منتقد، ولكن الأمر يجب أن يكون في حدود المعقول، فالبرنامج ليس لـ"تصفية" الخصوم، لأن الشرط الموجب أن يتحدّث المتصل عن كتابٍ أعجبه.
مثل هذه البرامج التفاعلية الحية قليلة في وسائل إعلامنا العربية، البرامج التي تُعنى بالكتب، والمفتوحة على الجمهور العامّ من دون تحديد أو تصنيف، والتي يمكن أن يلجأ إليها أيٌّ كان ومن أي مكان. ومن أهم ما يبرز البرنامج كذلك إعادتُه كتباً تكون قديمةً أحيانا، فليس ضروريا أن تكون الإصدارات حديثة، ولذلك يمكنه أيضا أن ينشّط ذاكرة المستمع بكتبٍ سبق أن قرأها، ولكنه سيسمع فيها رأي قارئ آخر غيره. كما أن هذا البرنامج يوميّ، ورباطه بمستمعه مستمر، تتنوع فيه القراءات بين ما هو أدبي وديني وكتب التنمية الذاتية، ولكنْ تغلب عليه الروايات وكتب الفكر والتاريخ والفلسفة. فعلى سبيل المثال، من أهم كتب الدورة الحالية: "نظام الخطاب"، للفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، و"التاريخ عند نهاية التاريخ العالمي" للمؤرخ والمفكر الهندي راناجيت غها، ورواية "امرأة سريعة العطب" لواسيني الأعرج، والمجموعة القصصية "نكات للمسلحين"، لمازن معروف، ورواية "الحرب والسلام" لتولستوي، وكتاب "هواجس المتنزه المنفرد بنفسه"، للمفكر الفرنسي جان جاك روسو، ورواية "العصفورية"، لغازي القصيبي... وغيرها.
قد يتوقف البرنامج، أحيانا، ليستريح عن الكلام المباح، دورة برامجية أو أكثر، ولكنه لا يلبث فجأة أن يستعيد أنفاسه في دورةٍ جديدة، تبث حلقاتها في الليل والنهار، مثل شهرزاد في لياليها اللانهائية، والتي ما زالت، بشكل من الأشكال، تبث على مسامعنا حكاياتها التي استقتْ من الكتب.
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي