عصابات الأسد ليست قوات احتلال

عصابات الأسد ليست قوات احتلال

25 اغسطس 2019
+ الخط -
لم تخطئ مذيعة قناة المملكة (الأردنية)، عندما وصفت عصابات الأسد بأنها قوات احتلال، فما تمارسه هذه العصابات لا يختلف، في أي حالٍ، عن ممارسة قوات احتلال أجنبية ضد مناطق محتلة، بل ثمّة فارق لصالح قوات الاحتلال أن لسكان تلك المناطق حقوقاً تقرّها قوانين دولية، كما لا يجري اعتبار سكان تلك المناطق خونة، ولا وطنيين. هذا في العموم. أما في الواقع فهذه القوى بالفعل قوّة احتلال بالنظر إلى تركيبة الجيوش التي تسيطر على المناطق السورية، وتتحكم بأوضاع المجتمعات المحلية، ففي أغلب المناطق يوجد الجنود الروس والإيرانيون ومليشيات من باكستان وأفغانستان والعراق ولبنان، وهؤلاء ليسوا وطنيين ولا من التبعية السورية. كما أن كل الادعاءات التي تسوقها مكائن الإعلام الروسية والإيرانية عن محاربة هؤلاء الإرهاب، أو دفاعهم عن نظام الأسد (الشرعي) في مواجهة ثورة أبناء البلد ضده، لا تغير من حقيقة أنهم قوى احتلال. حتى الذين يحملون الجنسية السورية، في صفوف هذه العصابات، لا يقاتلون من منطلقات وطنية سورية، ولا من أجل أهداف وطنية، وهذا واقع لا يخفيه هؤلاء أنفسهم، فما يمارسونه من عمليات نهبٍ واستباحة بحق المناطق التي يسيطرون عليها؛ تأنف حتى قوات احتلال عن ممارستها، ذلك أن قوى الاحتلال غالباً ما تحاول السعي إلى كسب تعاطف المجتمعات المحلية، وإثبات أنها ليست معادية للجميع، وأنها تسعى إلى خير المجتمعات، بغض النظر عن مدى صدق دعايتها وادعاءاتها، في حين أن عصابات الأسد تتعامل مع سكان المناطق التي تسيطر عليها بوصفهم مهزومين، وقبل ذلك أعداء جرى إخضاعهم بقوة السلاح.
ولم يحصل أن استخدمت قوات احتلال سياسة التدمير الكلي للمناطق التي تسيطر عليها، كما فعلت عصابات الأسد في حلب والغوطة وأرياف إدلب وحماة ودرعا، بغرض إفراغ تلك 
المناطق، وتيئيس سكانها من العودة عبر جعل الحياة فيها مستحيلة، أو جعل سكانها ينشغلون عقوداً طويلة في محاولة تدبير مكان يأويهم، وتضمن بالتالي خضوعهم لأطول فترة ممكنة. ولم يحصل أن اتخذت قوات احتلال أجنبية قراراً بإفناء جيل كامل من مكوّن وطني يمثل الأغلبية في بلد معين، عبر القتل المباشر، أو الاغتيال في السجون، أو من خلال زجّهم عنوة في معاركها، ضد خصومها من المكوّن نفسه.
من يتابع وقائع اليوميات السورية، وما تمارسه عصابات الأسد بحق المجتمعات المحلية في المناطق الثائرة، فستدهشه بالفعل تلك الأنماط من السياسات التي تنهمك أجهزة الأسد في صناعتها وتطبيقها على تلك المناطق، من اعتقالات واغتيالات وخطف من أجل الفدية، ومن انتشار كثيف لتلك الأجهزة، إلى درجة الخنق لتلك المجتمعات، وقتلها بطريقة فجّة ووقحة.
في المقابل، ترفض تلك العصابات عودة السكان إلى مناطقهم، وترفض إعادة الخدمات إلى تلك المناطق. وفي وقائع اليوميات السورية الكئيبة، أن وفداً من أهالي ريف درعا الغربي ذهب لمقابلة من يسمى محافظ درعا، للطلب منه إصلاح شبكات الكهرباء والماء المتعطلة، وإصلاح مخافر المنطقة وإعادة قوات الشرطة لضبط الأوضاع الأمنية المنفلتة، فكان رد حاجب المحافظ الذي رفض مقابلتهم، لا تطلبوا شيئاً من (الدولة)، إن أردتم الحصول على الكهرباء والمياه أصلحوا الشبكات من أموالكم، وإن أردتم عودة الشرطة أصلحوا المخافر، لماذا؟ لأنه ليس لدى الدولة موارد، لا اليوم ولا لعشر سنوات مقبلة (قال حاجب المحافظ)، وثانياً لأنكم معاقبون على إصراركم على طلب الحرية، فلتجلب لكم الحرية الكهرباء والماء والخدمات!
لم ينتبه الحاجب للرد النبيه الذي قاله أحد أعضاء الوفد: نحن، يا سيدي الحاجب، لم نعد نملك ملعقة، ولا إناءً نطعم أولادنا به، بل لم نعد نملك حتى فراشاً وأغطية ينام عليها أطفالنا. وإذا كنا لا نستطيع تأمين هذه الأولويات، فكيف لنا إصلاح شبكات الكهرباء والماء... وكان الرجل يشير، بطريقة مبطّنة، إلى تدمير البنى التحتية للحياة المنزلية للمجتمعات المحلية، والتي بدونها تصبح الحياة بدائية ومستحيلة.
المثير للانتباه تلك الضجة المرتفعة النبرة، التي أثارتها قوى يسارية أردنية، وغير أردنية، اعتراضاً على وصف المذيعة في قناة المملكة، سهواً، عصابات الأسد بقوات احتلال، فاللافت أن هذه الأطراف التي ما زالت ترتكز أدبياتها في معاداتها أميركا والغرب الإمبريالي على 
استشراقية هذه القوى، وسياسات الإبادة التي مارستها بحق المجتمعات الأصلية وسكان المستعمرات، ومعاداتها العولمة التي تسلب الهويات الوطنية، لم ترَ في كل ما جرى في سورية نسخةً عصرية من تلك السياسات، بل إنها نسخة أكثر دموية وفجاجة، إذ تدّعي العصابة أنها قوّة تطوير وتحضير "علمانية في مواجهة الأصولية الدينية التي يمثلها ثلاثة أرباع المجتمع السوري"، وتمارس سياسات تغيير ديمغرافي واجتثاث لسكان المناطق، لأنهم لا يستحقونها باعتبارها أراضي ذات قيمة استثمارية كبيرة (مخيم اليرموك والقلمون وحلب الشرقية)، وتنزع عنهم هوياتهم الوطنية والدينية من خلال سياسات التشييع والفرسنة القائمة على قدم وساق في أرياف دير الزور وحلب الجنوبية ودرعا.
اللافت في رد فعل هذه الأطراف، حجم الوقاحة المبالغ به، فهم يريدون ممارسة كل ما يعيّرون به خصومهم، والاحتفاظ بصفة التقدمية والوطنية، وإلا فإن أي توصيف حقيقي للوقائع اعتداء عليهم وجرح لخواطرهم الطاهرة، التي لا تتحمّل هذا الغبن. أما ما يجري على أجساد ملايين السوريين من قتل وتهجير، فذلك ما لا يعنيهم، ولا يدخل في إطار فهمهم عن الاستبداد والاستعباد وتغيير الهوية وإبادة السكان الأصليين.
عفواً ساندي الحباشنة، إذا كان ثمّة خطأ ارتكبتِه فهو أن عصابات الأسد بالفعل ليست قوات احتلال، لأن أي قوات احتلال ربما تترك هامشاً يسمح للسكان ببعض الحقوق، فيما عصابات الأسد، وفي ما يخص حكاية السوريين الواقعين تحت سيطرة همجيتهم، الأمر أكبر من احتلال.. تصوّري أن الفكر السياسي والاجتماعي لم يصل بعد إلى وصف مثل هذه الحالة، حتى لا نقول إنه عاجز عن توصيفها.
5E9985E5-435D-4BA4-BDDE-77DB47580149
غازي دحمان

مواليد 1965 درعا. كتب في عدة صحف عربية. نشر دراسات في مجلة شؤون عربية، وله كتابان: القدس في القرارات الدولية، و"العلاقات العربية – الإفريقية".