لبنان.. هذه المبادرة لمواجهة العنصرية

لبنان.. هذه المبادرة لمواجهة العنصرية

24 اغسطس 2019

إطلاق المبادرة اللبنانية لمناهضة التمييز والعنصرية (العربي الجديد)

+ الخط -
تصاعد، في الأعوام القليلة الماضية، عند بعض الأطراف السياسية في لبنان، خطاب العنصرية والكراهية، خصوصا ضد اللاجئين السوريين والفلسطينيين، وتجلّى ذلك، أكثر من مرّة، في خطابات وتصاريح مسؤولين حزبيين، وفي سياسات رسميين، وفي حملات إعلامية منظمة حمّلت كل أسباب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها لبنان لأولئك اللاجئين، حتى أن بلديات مصنّفة على تيارات سياسية معيّنة ذهبت إلى حدود طرد اللاجئين من نطاقها البلدي، بينما شنّت أجهزة في الإدارة والدولة حملات منظمة لإرغام السوريين على العودة إلى سورية، على الرغم من الأوضاع الصعبة والدقيقة والخطيرة هناك، ناهيك عن أن لاجئين كثيرين تعرّضوا للطرد من العمل، أو الاعتداء الوحشي في أكثر من منطقة، وما سوى ذلك من تصرفات أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها عنصرية حاقدة وكيدية، حتى أن خطاب الكراهية والعنصرية تخطّى اللاجئين السوريين والفلسطينيين، ليطاول اللبنانيين من أصحاب التوجّهات والآراء المختلفة، وبرز ذلك في قرارات بلدية تمنع بيع أو تأجير مبان سكنية في نطاقها البلدي لأي لبناني مختلف طائفياً أو مذهبياً، بحجة الحفاظ على الهوية، علماً أن ذلك يخالف الدستور اللبناني. وكان من جديد فصول ما يمكن وصفه بالعنصرية، تفعيل وزارة العمل قرارات سابقة تطاول العمالة الفلسطينية في لبنان، وتمنع العمّال من القيام بأي أنشطة عمل، علماً أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) قلّصت تقديماتها إلى أدنى مستوى، بل هي مهدّدة بالإقفال، في وقت ذهبت الوزارة إلى منع العمال من القيام بأعمال كثيرة، وهي، في الوقت نفسه، تحرمهم من حقوقهم المدنية. وأمام هذا الخطاب العنصري الذي يهدّد البلد واستقراره وصيغته وعيشه المشترك بين المكونات كافة، تحرّكت مجموعة من الجمعيات والهيئات المدنية ضمن مبادرة مدنية، تهدف إلى مواجهة خطاب الكراهية والعنصرية، والعمل لوضع حد له عبر كل الطرق والوسائل. 
المبادرة اللبنانية لمناهضة التمييز والعنصرية مدنية، قامت بها عدة جمعيات وهيئات مدنية 
لبنانية هدفها مناهضة التمييز والعنصرية في لبنان، وأول عمل قامت به المبادرة تكليف مجموعة محامين لبنانيين تقديم شكوى أمام القضاء اللبناني بحق شخصيات تثير النعرات الطائفية والعنصرية والأحقاد، وتهدد السلم الأهلي والعيش المشترك، ومن بين هذه الشخصيات وزير الخارجية اللبناني، رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل (صهر رئيس الجمهورية)، والنائب في التيار الوطني الحر زياد أسود، ورئيس بلدية الحدث في جبل لبنان، ومنشد تابع لحزب الله، وآخرون. وبالفعل، تقدّم المحامون أمام مدّعي عام التمييز بشكوى بحق هؤلاء على خلفية تهديد السلم الأهلي والتحريض والعنصرية، وطالبت الشكوى باستدعائهم ومحاكمتهم بموجب نصوص القانون اللبناني الذي يجرّم الخطاب العنصري وإثارة النعرات.
وضعت المبادرة اللبنانية لمناهضة التمييز والعنصرية القضاء اللبناني اليوم أمام تحدّ صعب وامتحان أصعب، فالتدخلات في هذا القضاء معروفة من القاصي والداني. وقد كشف الوزير من الحزب التقدمي الاشتراكي، وائل أبو فاعور، عن فضيحة مدوّية عن حجم التدخلات في هذا القضاء، ولا سيما المحكمة العسكرية منه، خلال فترة الأزمة التي عصفت بلبنان قبل أسابيع على خلفية أحداث بلدة قبرشمون في جبل لبنان، وهدّدت السلم الأهلي، وكان أحد أبطالها الوزير جبران باسيل. وكشف أبو فاعور، في مؤتمر صحافي، حجم التدخل في القضاء من السلطة السياسية، وهو ما يرسم علامة استفهام كبيرة عن إمكانية قيام القضاء اللبناني بدوره الفعلي والحقيقي في وضع حد لمثيري العنصرية والفتن من خلال تطبيق القانون.
كما أن حجم المحاصصات التي حصلت في أثناء جلسة الحكومة (الخميس 22/8/2019)، لتعيين أعضاء المجلس الدستوري (محكمة تفصل في دستورية القوانين)، أظهرت حجم التدخل السافر في القضاء أيضاً، وهو ما يرسم علامة استفهام إضافية بشأن إمكانية قيام القضاء بدوره في تطبيق نصوص القانون التي تجرّم إثارة النعرات والعنصرية، ولا سيما بحق شخصيات بارزة ومن الصف الأول كالشخصيات التي تمّ الادعاء عليها.
ليس المهم أن يتمكّن القضاء من محاكمة مثيري النعرات والعنصرية من عدمه، فقد تكون التدخّلات السياسية والتحكّم بمقاليد الأمور أقوى من القضاء ذاته، ولكن المبادرة اللبنانية لمناهضة التمييز والعنصرية أكدت، في خطوتها، شجاعة الجمعيات التي قامت بها، وأنه ما زال في لبنان بقية مجتمع يرفض العنصرية والعنصريين، كما أنها ستكشف أيضاً حجم الفساد والتحكّم بالقضاء، فإما أن يعمل هذا القضاء على تنظيف نفسه ليظل محل ثقة اللبنانيين، أو سيسقط في مستنقع العنصريين، ويفقد أي قيمة وثقة. ويبقى أمر مهمّ، وهو أن هذه الخطوة ستجعل العنصريين يفكرون ألف مرة، حتى ولو عطّلوا القضاء عن محاكمتهم.

دلالات