شرقي الفرات.. تعزيز نفوذ وليس منطقة آمنة

شرقي الفرات.. تعزيز نفوذ وليس منطقة آمنة

22 اغسطس 2019
+ الخط -
توصلت تركيا وأميركا إلى اتفاق أولي بشأن منطقة شرقي الفرات بخصوص المنطقة الآمنة، ولن يكون الخلاف حول عدد الكيلومترات أو احتجاج قوات الحماية الكردية، أو من سيدير مركز المراقبة لتلك المنطقة (تركيا، أم تركيا وأميركا، أم الاثنتان ودول غربية)، أو سيكون عدم تطبيق الاتفاق السابق بين تركيا وأميركا حول منبج عائقاً بينهما؛ فتركيا مستعدة عسكرياً لغزو مناطق سيطرة قوات الحماية، وتنتظر الموقف الأميركي، والأخير لن يواجه تركيا من أجل قوات كردية، لا تمثل الأكراد ولا العرب وتتبع لحزب العمال الكردستاني.
ولكن هل هذه نهاية المطاف، وهل سيُنتج استقراراً؟ تركيا لا تكتفي باتفاق يبعد القوات الكردية عن حدودها، وتريد إعادة أقسام كبيرة من النازحين، وستعتمد على فصائل عربية سورية في تلك المنطقة؛ أغلبية النازحين ليسوا من أهل المنطقة، وهذا سيُحدث تعقيداتٍ كبرى لن يقبل بها الكرد أولاً، وكذلك أهل تلك المنطقة من العرب. يبدو أن روسيا عقدت اتفاقاً مع تركيا، أو أنها تصمت عن الاتفاق بين أميركا وتركيا، وكأنّها تبادل شرقي الفرات بمناطق جديدة! حيث تتقدّم هي في شمال حماة وجنوب إدلب، وتفرض معادلة جديدة، تُبعد نهائياً أي خطر عن المناطق التي تحت سيطرتها، وعن قواعدها العسكرية في اللاذقية وحماة، وهذا سيفتح لها الطرقات الدولية، وسيحشر مدينة إدلب بملايين المهجّرين وبسكانها الأصليين، والتي ستغرق بمشكلاتٍ لها أول وليس لها آخر، حيث تركيا تشدّد الخناق عليها، وأزمتها السياسية الداخلية تدفع بإعادة اللاجئين السوريين. ولو أضفنا الخلافات بين هيئة تحرير الشام وبقية الفصائل، فإن إدلب مقبلة على تطورات كارثية، ولن تكون فقط عرضةً لهجوم مستمر من قوات النظام والطائرات الروسية والسورية، التي تُدمر وتقتل ومن دون توقف، ومنذ زمن طويل، وليس منذ أربعة أشهر.
حكاية المناطق الآمنة وخفض التصعيد التي عقدتها روسيا مع أميركا وتركيا وإيران شهدت 
حروباً مستمرّة وتفكيكاً وتهجيراً، وهذا ما حدث في درعا والغوطة وشمال حمص، وبالتالي لماذا ستتشكل منطقة آمنة ومستقرة في شمال شرق سورية، وكذلك في إدلب؟ تقول الوقائع إن سورية تقسم إلى مناطق نفوذ، وهي بضاعة قابلة للتفاوض والبيع بين تلك الدول، وضمن ذلك لن تدخل تلك الدول بحروبٍ حقيقية بينها؛ فكل الخلافات بين تركيا وروسيا وإيران وأميركا تتراجع سريعاً ويتم حلها والعودة إلى التفاوض بينها، وبما يمنع تجدّدها أو توسعها، وضبطها في حال التجدّد.
هناك كلام كثير يقول إن المنطقة الآمنة في شمال شرق سورية، وكذلك منطقة درع الفرات وغصن الزيتون وربما إدلب، ستستقر وستنعم بإعادة الإعمار، وقبل التوصل إلى حل سياسي لعموم الوضع السوري. هذا الرأي ترفضه أوروبا وأميركا، وحتى الخليج، وكل محاولات روسيا لتجاهل هذه الفكرة والدعوة إلى عودة المهجرين فشلت بشكل كامل، والضغط التركي المتصاعد بدوره لن يعيد كل اللاجئين، ولن يعمر تلك البلاد، حيث ليس من مصلحة لروسيا والنظام بذلك، وروسيا هي الأقوى عسكرياً وسياسياً في سورية، وهي تريد استعادة كل جغرافيتها، وإعادة نفوذ النظام أو أي نظام آخر. وبالتالي الممكن الوحيد هو ترسيخ مناطق النفوذ تلك، والوصول إلى اتفاقات نهائية حولها، وريثما تصل المفاوضات بين الدول إلى صيغة معينة. حيثيات الاتفاقات بين الدول تؤدي إلى تهميش السوريين، نظاماً ومعارضة وأكرادا وفصائل، وهو ما يجري ومنذ سنوات. وفي النهاية، لن تنعم أي منطقة (إدلب، عفرين، شمال شرقي سورية) بأي استقرار، كما حال بقية سورية.
هناك فقط مناطق نفوذ، وروسيا تستعجل لترسيخها وكذلك أميركا وتركيا، ويبدو أن المتضرّر الأكبر ستكون إيران، حيث تتفق كل الأطراف، ومعها إسرائيل، على تهميش وجودها في سورية. الخلاف حول مستقبل مناطق النفوذ توضحه حالة المناطق التي تحت سيطرة النظام أو تركيا وكذلك أميركا. النظام السوري كما هو لن يتعوّم، كما تقول بعض التحليلات، حيث سيكون ذلك سبباً كافياً لتجدّد كل أشكال الصراعات والحروب والانتفاضات. روسيا تعي ذلك وتركيا وأميركا، وبالتالي كان هدف هذه الدول التخلص من الفصائل، ومن جيش النظام، وهذا ما جرى..
الآن، أصبحت سورية دولة ضعيفة، وشعبها مليء بالكراهية والخلافات، والتي تستقي أسبابها
 من الحرب، ومن الدين والطوائف، ومن دعم الدول الخارجية لبعض المجموعات وضد الأخرى، وجيشها ضعيف والمليشيات من خارجه أقوى من قطعاته، وهناك كتل في النظام تتبع أكثر من دولة، وهذا هو بالضبط ما تريده الدول التي دعمت النظام، وفشلت في الحفاظ عليه كما هو، فضَعُفَ، وأصبحت تسيطر عليه، وتفرض سياساتها عليه، وتحجز لنفسها حصة في أي صفقةٍ تخص مستقبل سورية؛ وحال الفصائل الرافضة للنظام أسوأ بكثير، فهناك هيئة تحرير الشام وفصائل سلفية وجهادية وتابعة لتركيا ولأميركا وبقايا "داعش"، وتندر الفصائل الوطنية. وفي حال وجدت، فهي تستقي من الدين، وليس من مفهوم الوطن وحقوق المواطنة والمساواة بين السوريين، وتحقيق أهداف الثورة سبباً لعزيمتها.
مناطق النفوذ، وفي حال اتفق عليها، حيث كما قلنا تجربة مناطق خفض التصعيد لا تبشر بخير، وربما تشكل الحدود الطويلة لتركيا مع سورية، وتصاعد أزمة اللاجئين في تركيا وضغط أوروبا لإبقائهم فيها، ووجود رغبة أميركية بإنشاء منطقة آمنة من أجل الحفاظ على قوات الحماية الكردية وقوات سورية الديمقراطية، ومن أجل مصالحها في منطقتنا، وليس في سورية فقط؛ أقول ربما هذه القضايا ستضمن بقاء مناطق النفوذ تلك، ولكنها لن تكون مقدمةً لحل مشكلة اللاجئين، ولا لإعادة الإعمار ولا لتعويم النظام السوري. ستكون مناطق النفوذ مدخلاً للحل السياسي.
الكلام عن قرب التوصل إلى لجنة دستورية، ولا يغير في الأمر تشكيلها ذاته، هو فقط لتمرير الوقت، بينما ما يضمن مصالح الدول، ويحقق الاستقرار، هو الاتفاق على حل سياسي، حيث سيكون لروسيا حق الإشراف عليه، وحالما تستقر مناطق النفوذ بشكل نهائي، وهو ما يتم الآن، وهناك الاتفاق الأمني السابق بينها وبين إسرائيل وأميركا، وربما سنشهد لقاء جديداً في إسرائيل على أرضية حسم مناطق النفوذ في إدلب وشمال شرق سورية.