أسرار الأردن الكبرى

أسرار الأردن الكبرى

22 اغسطس 2019
+ الخط -
الأردن عالم مليء بالأسرار، لا تدري كيف تطفو القصص المثيرة على السطح ولا كيف تختفي. كثير من الخطوط الحمراء تم تجاوزها، بل ربما أصيب من يراقب المشهد بعمى الألوان، لكثرة تحرّك الخطوط الحمراء وتلونها بالألوان الأخرى. بين حين وآخر، تحتل المشهد حكاية "مشوّقة" بالمعنى الفني، ينشغل الناس بها كثيرا، وتمتلئ منصّات التواصل الإلكترونية بتفاصيلها والتعليق على جزئياتها، وإضافة معلومات لها، وفجأة ومن دون مقدّمات تختفي، وتبرز قصة أخرى، وينسى الناس الأولى وينشغلون بالثانية، حتى بات هناك من يعتقد أن حوادث كثيرة مجرد سيناريوهات تُكتب بعناية ويجري تمثيلها على خشبة مسرح، بل قد يُجرّم بعض أبطالها، ويلقى بهم في السجون، ثم ما يلبثون بعد أن ينسى الناس الحكاية أن يخرجوا بصمت، ليعودوا لممارسة حياتهم الطبيعية. 
وحده ملف المعيشة اليومية وحكاياته يبقى الحاضر الدائم في أحاديث الشارع، فالأردن اليوم يعيش حقبة من أصعب ما مر به في تاريخه، وفق تقويمات كثيرين، وهنا كتلة ضخمة من الأسرار تحيط بعدة ملفات. الطاقة مثلا، وعما إذا كان في الأردن بترول أم لا، وكثيرا ما يخرج للإعلام "خبير" أو مسؤول سابق في مكان ما لينشر "بالوثائق!"، كما يقول، قصة البترول المخفي في البلد، ولا أحد حتى اليوم يمكن أن يفتي بالقطع في هذا الملف. ومن الأسرار أيضا قصة تسعير مشتقات النفط، فتارة ترتفع مع انخفاض أسعار النفط في العالم، وتارة أخرى تثبت أو تخفض قليلا جدا مع ارتفاع الأسعار عالميا. وقل الشيء ذاته عن اتفاقية شراء الغاز الفلسطيني المسروق صهيونيا. ومن قبله ملفا الكازينو وصوامع حبوب العقبة، وقضية مصانع الدخان "السرية" وعدد لا يحصى من الملفات الغامضة.
سياسيا، الأردن مأزوم حتى الاختناق، فلم يحدث أن ساءت علاقاته مع "إخوانه" العرب كما 
حصل هذه الأيام. صحيح أن العلاقات العربية - العربية لم تكن في أي يوم سمنا على عسل، وكانت على الدوام محاور تجمع عدة عواصم ضد أخرى، ولكن اليوم حتى سياسة المحاور اختفت أو كادت، وباتت كل عاصمة تغني على ليلاها، ويبدو أن عمّان واحدة من العواصم الأكثر تضرّرا من هذا السوء، ومن النادر أن يخرج مسؤول ليبوح بحقيقة هذا السوء، وحجم الأثر الذي يتركه على حياة الناس، فهذا ملفٌ محاط بغموض كثير، ولا يجري الحديث فيه إلا في الغرف المغلقة. خذ مثلا قصة بعثة الحج الرسمية الأردنية، وسبب إلغائها، ودلالة هذا الأمر على مستوى تدهور العلاقة الأردنية ببلاد الحرمين، بل إن علاقاته الدولية أيضا تعاني حالة تأرجح غير مسبوقة، فملاذه الغربي التقليدي لم يعد ملاذا حميميا كما الحال في الماضي. كان بعض العرب يقصدون عمّان في ما مضى لتكون وسيطا لهم لدخول البيت الأبيض، أما اليوم فلم تعد عمّان مقصدا سياسيا ولا حتى سياحيا، إلا بالقدر الذي تسمح به بعض المصاعب الأمنية التي تمر بها البلدان المجاورة!
أكبر أسرار الأردن تكمن في تلك العلاقة التي تربطه بـ"الجار" العدو/ الحليف/ اللدود، أعني كيان العدو الصهيوني الذي له "دفيئات" في عمّان يلجأ إليها حين "يتمرّد" مسؤولٌ، فيضيق على مفصل هنا أو هناك في العلاقة الثنائية المعقدة التي تربط الطرفين. ولا أدل على هذا من قصة البتراء وتسلل متديني "بني إسرائيل" لإقامة طقوسهم فيها، تعقب وزيرة السياحة والآثار السابقة، مها الخطيب، على الطقوس اليهودية التي أدّتها مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين في البتراء، قائلة إنها خلال توليها وزارة السياحة حاولت، بكل صلاحياتها، أن تضع حدا لوقاحتهم عندما منعت الصهاينة من إدخال ملابسهم الدينية، كونهم يأتون لإقامة صلوات عند مقام النبي هارون. حينها، كما نقلت عنها غير وسيلة إعلام محلية، أعلن وكلاء السياحة الإسرائيليون الإضراب، وقدّم سفير الاحتلال شكوى ضدها للحكومة، فرفعت رسوم دخولهم البتراء، كونهم لا ينفقون فلساً واحداً فيها ويتركون لنا مخلّفاتهم كما تقول. وزادت: "طبقنا الرسوم الجديدة، مما زاد من شكواهم علي. وفي النهاية، انتهت المعركة بخروجي في أول تعديل وزاري من حكومة سمير الرفاعي، رغم أننا في ذلك الحين كنّا نحقق أعلى دخل سياحي في تاريخ المملكة".
واضحٌ من تصريحات الوزيرة السابقة أن دفيئات الكيان في البلد هي التي أقصتها من الوزارة، وثمّة قصص أخرى مشابهة، يجري تداولها في الجلسات الخاصة حول مدى نفوذ هذه الدفيئات 
في السياسة الرسمية، ومنها مثلا ما كان يقال من شكوى أعضاء وفد الكيان في المفاوضات التي أفضت إلى معاهدة وادي عربة لمراجع أردنية عليا من "تعنّت" بعض أعضاء الوفد الأردني، حين كانت الأمور تُحسم بتوجيهات لصالح الطرف الآخر.
بمحض المصادفة، فيما كنت أكتب مقالي هذا، طيّرت منصات التواصل خبرا غريبا يقول إن مجلس النواب الأردني أجمع على ضرورة طرد السفير الصهيوني في عمّان، وسحب السفير الأردني من تل أبيب، وتجميد العمل باتفاقية وادي عربة، وهو ما لن يحصل أبدا، حتى لو أجمع على ذلك كل أبناء الشعب الأردني، المقيمين منهم على تراب الأردن والمغتربين في منافي الأرض كلها، فهذا ملف "يسمو" على كل الملفات، حتى حينما كان الكيان يكيد للأردن، ويحاصره ويحرّض عليه (ولم يزل)، دوليا وعربيا أيضا، لم يحلم أردني واحد بأن يرى سفير العدو وهو يغادر عمّان مطرودا بالفعل، وكأن لسان حال "الضيافة" الأردنية يقول: نحن الضيوف وأنت رب المنزل.
أسرار الأردن الأخرى كثيرة منها تجارة المخدرات ورعاتها السرّيون، وتجارة الدعارة، وحجم عمل عصابات "تخليص الحقوق" التي فرضت نفسها بديلا عن القانون، بعد ارتخاء قبضة العدالة، إذ بات يُقال إن القانون سيف في غمده، لا يسحب إلا على رقبة الضعيف، ولهذا ازدهر عمل فتوات الأحياء الفقيرة الذين امتهنوا مهنة جديدة تماما: أخد الحق بالقوة والتهديد بها... والقصة تطول.