صياغة جديدة للحكاية

صياغة جديدة للحكاية

03 اغسطس 2019

(Getty)

+ الخط -
في واحدة من أشهر الحكايات التربوية والتعليمية للأطفال، المروية والمكتوبة عبر الأجيال، أن الأرنب والسلحفاة قرّرا أن يجريا سباقا، بعد أن تحدّى الأرنب السلحفاة متباهيا بسرعته، وحينما بدأ السباق كانت السلحفاة تمشي ببطئها المعهود، وبخط مستقيم نحو هدفها، بينما بدأ الأرنب بالتراخي، واثقاً من وصوله قبلها، فأخذ قيلولة تحت ظل شجرة وارفة، ثم أخذ يلاعب الفراشات في الغابة، وينتقل من زهرةٍ إلى أخرى يشم عبقها، ويبحث عما يفضله من الخضار ليأكله، ثم ذهب إلى النبع ليشرب الماء، ثم أخذ قيلولة أخرى. وهكذا مضى الوقت وهو يلعب ويتسلى حتى اقترب موعد نهاية السباق، ليكتشف أن السلحفاة قد وصلت إلى نهاية السباق، وفازت بالتحدّي، وهزمت مباهاته بسرعته. 
تُروى هذه الحكاية لتدل الأطفال على عاقبة التباهي، وعلى أهمية التصميم على تحقيق الهدف، وعلى ضرورة وضع خط مستقيم للسير في الحياة، للوصول نحو الغاية المرجوّة، وعلى قدرة المخلوقات على بلوغ ما تصبو إليه، على الرغم من الإعاقات والمصاعب والعوائق، وكل هذا جيد ومهم لتربية الأطفال على التحدّي والتصميم والعزيمة والمنافسة والتفوق. ولكن هناك ما تغافلت عنه الحكاية التعليمية، عن عمدٍ ربما، هو المتعة التي يجب أن يحصل عليها الكائن البشري في رحلته نحو الهدف المنشود، وكأن المتعة من أنواع العيب أو الحرام، حتى يتم تجنبها في ما يتم تلقينه للأطفال.
لقد استطاع الأرنب في الحكاية أن يستمتع بكل لحظةٍ من لحظات السباق. اكتشف واختبر أشياء ربما لم يكن يعرفها، وأشبع رغبته بالاكتشاف والدهشة، تأخر في الوصول ربما، وسبقته السلحفاة، ولكن من قال إن على الجميع أن يصلوا إلى أهدافهم في وقت واحد؟ ومن قال إن الحياة هي ماراثون لتحقيق الأهداف فقط؟! نريد من أطفالنا أن يسيروا على الخط المستقيم ولا يحيدوا عنه. نريدهم أن يكونوا في المقدمة، نريدهم الأفضل والأقوى والأغنى، ونتغاضى عن إمكاناتهم ورغباتهم، ولا نساعدهم على التعبير عنها، بل نقمعها غالبا، فيكبرون وهم لا يعرفون حقيقة ما يريدونه من حياتهم. يسعون إلى أن تكون حياتهم كما أرادها لهم الجميع، أن يكونوا ناجحين وأقوياء، وهذا ليس سيئا طبعا، ولكنهم، في طريق تحقيقه، ينسون الرغبات والتفاصيل التي تعطي للحياة طعمها الحلو. قد تكون السلحفاة في الحكاية سعيدة أنها وصلت إلى النهاية قبل الأرنب، ولكن من قال إنها كانت أكثر سعادة من الأرنب؟ ومن اقترح أن الأرنب قد أصيب بالصدمة لخسارته الرهان؟
ألا يمكننا أن نحكي الحكاية بطريقة أخرى، أن يعيدا السباق، شرط ألا يمشيا في خط مستقيم، أن تختبر السلحفاة خبرة الأرنب، وأن يتعلم الأرنب الهدوء والدأب منها! في هذه الصياغة للحكاية، لا يوجد مكان للمنافسة، وإنما لتبادل الخبرات والمعرفة، والاستمتاع بالتفاصيل الصغيرة الموجودة في الغابة/ الحياة. يؤسس هذا التشارك لعلاقة سليمة مع الحياة ومع الآخرين، بينما المنافسة والرغبة في التفوق والتفرد تحملان معهما مرات كثيرة، عداء خفيا تجاه الآخرين الذين هم في موقع المنافسة الدائمة. هذا العداء هو أساس الكراهية التي أنتجت الحروب المدمرة في تاريخنا البشري، وهو ما نلقنه لأطفالنا، سواء في تربيتنا لهم، أو في الحكايات التي تمجّد القوة والتفوق، فينشأون لاهثين وراء ما يجعلهم أقوياء، غير ملتفتين للجمال الذي يحيط بهم، ولا يعرفون كيف يمكن أن يستمتعوا به.
كتب محمود درويش ذات يوم: "الطريق إلى البيت أجمل من الوصول إليه". أفكر أحيانا أن درويش هنا كان يقترح صيغة أخرى لحكاية الأرنب والسلحفاة، سنصل جميعا إلى البيت أخيرا، ولكن في طريقنا إلى الوصول لماذا لا نستمتع بالجمال الذي يسكن الطريق؟ نحن نولد ونعيش لننتهي جميعا نهاية واحدة. وطالما نعرف أين يكمن خط النهاية، لماذا لا نصل إليه مترعين بالجمال والدهشة والمتعة والاكتشاف والتجارب؟ لماذا لا نختبر كل شيء في حياتنا قبل أن نصل إلى خط النهاية؟ ثمّة حياة واحدة لنا سنعيشها، سواء كنا ببطء السلحفاة أو بسرعة الأرنب، لا شيء سيغير من النهاية. إذاً، لم لا نقترح للحكايات التي تراكمت في لا وعينا أحداثا أخرى، علّنا نكون أكثر سعادة في حياتنا؟

دلالات

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.