متعة أن تكون إخوانياً

متعة أن تكون إخوانياً

20 اغسطس 2019
+ الخط -
ما أمتع أن تكون إخوانيا، أو من دوائر الإخوان المسلمين، المحبين، المتعاطفين، المنتفعين، الموظفين. الجميع مستمتع، وهانئ، ومرتاح البال، ويحصد مكاسب الراحة والتعب على حد سواء. أتحدث عن الإخوان الحقيقيين، الإخوان "اللي فوق"، وليس من يتصوّرون أنهم كذلك لمجرد أنهم سجنوا أو ضربوا بالنار أو فقدوا عضوا، أو فقدوا عيالهم، أو فقدوا أزواجهم، أو فقدوا النطق، أو تشرّدوا في بلاد الله من دون تمويل أو عمل مضمون، أو عجزوا عن سداد إيجار البيت، أو باعوا عفشهم. هؤلاء ليسوا إخوانا، إنما هم حطب النار الذي يشعل المدفأة في ليالي اسطنبول الباردة.
متعة الحياة الحقيقية أن تحصل على كل شيء من دون أن تدفع أي شيء، حذّر من الثورة، تبرأ منها قبل قيامها، قل إنك لا تريدها، وإذا قامت فلن تكون الفاعل، (هكذا صرح محمد مرسي: بالحرف). وحين تصبح الثورة حدثا معلنا، أعلن عن عدم نزولك، وحين ينزل الناس بالملايين، قل لهم: كنت أراوغ، وانزل، واهتف. وحين يشير إليك النظام، مُر الشباب بالانسحاب، وحين يرفض الشباب، ويفضلون الموت، افصلهم من الجماعة، ثم تغنّ ببطولاتهم، باعتبارها بطولاتك، ورشّح نفسك واكسب واحكم بشرعية ثورة خنتها ألف مرة، (فريد الأطرش: الحياة حلوة بس نفهمها).
زايد على كل من يخبرونك بضرورة التشارك. اسخر من كل من يحذّرونك من طريقتك في اختيار رجالك. تعالَ على كل من ينبهونك إلى خطر رجال حسني مبارك. وحين ينقلب عليك كل من قرّبتهم، حمل المسؤولية لكل من حذّروك، وادفع الآلاف إلى الموت، وابك عليهم أمام الشاشات، وعلى منصات الاحتفال، واحصل على اللجوء السياسي والتمويلات وجواز السفر التركي أو البريطاني. وأعلن دائما وأبدا أنك صامد ومقاوم ومكمل.. وسوف تجد من يصدّقونك ويدعون لك، يا ابن المحظوظة.
التاريخ أيضا دمه خفيف. تصعد الاشتراكية تكتب "اشتراكية الإسلام". تصعد الليبرالية تطلق "هذا بيان للناس" الإسلام مع حرية السوق. تحكم الأنظمة العسكرية تدعمها. تنقلب عليك تكفّرها، تقرّبك من جديد، الرئيس المؤمن، تحيدك، نتمنّى مقابلة الرئيس. يطالب الشباب بالثورة، الثورة حرام. تشتعل الثورة، تشارك فورا. يتجاهلك الأميركان، لن نترشّح حماية للثورة. يعطونك الضوء الأخضر، واجبنا التاريخي أن نترشّح حماية للثورة. يرفض مجلس شورى جماعتك، تعيد التصويت، يرفض ثانية، تعيده ثانية.
حكم الرئيس مكافأة من السماء، ضياع الحكم ابتلاء، "إذا أحب الله عبدا ابتلاه"، (سعيد صالح: اعترضوا بقى على كلام ربنا). الهروب إلى الخارج مواجهة. الشهداء يا بختهم، ليتنا معهم. السجناء، معهم الله. يرسل إليك السجناء، افعل شيئا، لم نعد نحتمل، تشكّك في رسائلهم. تتكرّر الرسائل، يتكرّر التشكيك. لم يعد أحد يصدّقك. اخترع مؤامرة، لماذا لا يرسلون إلا في إحيائنا ذكرى "رابعة"؟. إنهم يرتعدون من إحيائنا المناسبة. ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين. ليسوا سجناء وليسوا معتقلين. إنهم "أمنجية". تفشل المحاولة، يقوم بها عنك "الأجرية"، يتقمّصون الحياد والإنصاف والثورية والموقف الأخلاقي والصمود والجماهير العريضة، فلوسك عريضة، كتائبك عريضة، تحيا "التعريض"..
"النفخ في إربة مقطوعة" أكثر جدوى من انتظار أي شيء من "أمراء الانقلاب" في الخارج. الثورة كانت فرصة للحكم، والانقلاب كان، ولم يزل، فرصة، لن تتكرّر، لمراكمة الثروات، واعتلاء المنصات، والظهور على الشاشات. لن يتحرّكوا، ليس لأنهم عاجزون، ولكن لأنهم لا يريدون، كل ما يحدث في الخارج طوال السنوات الماضية، عن تجربة، هو تعطيل أي محاولة للحل، ومحاربتها، والتشكيك فيها، وتشويهها، وهذه هي الوظيفة الوحيدة لـ "إخوان المهجر" وملحقاتهم.
الحل "السياسي" الوحيد يكمن في القدرة على إنجاز مصالحة. هم لا يريدون، والنظام أيضا لا يريد، كما أنه ليس مضطرّا، فلا ضرر من ورائهم. بالعكس، تصريحاتهم مسلية، وعودهم ترفع "الضغط"، فضائحهم مادّة للمؤيدين، قنواتهم فرصة للتنفيس عن المعارضين، تهدّئهم، تسكن غضبهم، تشعرهم بأنهم ليسوا وحدهم، ثمّة من يشاركهم، يخوض المعركة عنهم، ماذا يريد النظام أكثر من ذلك؟ كلاهما فرصة الآخر للاستمرار، والاستثمار، وعلى المتضرّر اللجوء إلى الله، وحده، فهو حسبه.