انتصاراً للشرطة الفلسطينية

انتصاراً للشرطة الفلسطينية

20 اغسطس 2019
+ الخط -
ما الذي يعنيه بالضبط مفهوم "التعدّدية الجنسيّة"؟ ما هو التوصيف الأنسب لحالات الذين يعيشون "توجهاتٍ جنسيّةً وجندريّةً مختلفة"؟ هل يزاول المثليون والمثليّات، ثنائيو الميول الجنسية، والمتحوّلون والمتحوّلات، حرّياتٍ فرديةً، أم هم مرضى يحتاجون علاجا طبيا ونفسيا؟.. هذه بعض أسئلةٍ تحاول العثور على إجاباتٍ عليها، غير موارِبة، وأنت تقرأ إعلان مؤسسة "القوس للتعدّدية الجنسيّة والجندريّة في المجتمع الفلسطيني"، في موقعها الإلكتروني دعوتَها (من يرغب طبعا) إلى التسجيل إلكترونيا للمشاركة في مخيمٍ تقيمُه يومي 30 و31 أغسطس/ آب الحالي (المكان يعلن لاحقا)، يلتقي فيه الموصوفون أعلاه".. للتعرّف على مفاهيم أساسية في التعدّدية الجنسية والجندرية، واستكشاف جوانب متعدّدة من جنسانيتنا وعلاقتها مع المجتمع". كما تطلق المؤسسة "مبادرةً جديدةً تهدف إلى توفير مساحةٍ لتبادل التجارب والمعرفة بين المشتركات/ين من خلال ورشات تفاعلية، عمل في مجموعات كبيرة وصغيرة، محاضرات، وفقرات ترفيهية مختلفة". وتقول "نطمح أن يتيح عملنا المشترك في المخيم تساؤلات وأفكاراً جديدة تساعدنا على فهم تجاربنا الجنسية والجندرية حتى الآن، ويوفر فرصة للحلم المشترك حول إمكانيات الحياة في مجتمعنا". 
لا يفيد هذا الإعلان بإيضاحاتٍ تجيب على الأسئلة أعلاه، وكذلك الموقع الإلكتروني للمؤسسة التي تعمل في كل فلسطين منذ العام 2001، والمرخّصة رسمياً في 2007، الأمر الذي يبيح الذهاب إلى أن نشاطها، بشأن المثليين والمثليّات، لا يصدر عن افتراض أن مؤسساتٍ علاجية، نفسية وطبية، هي المعنية بهم. وإذا كانت إيضاحات المؤسسة عن نفسها أنها ضد العنف المجتمعي ضد هؤلاء، فهذا محمودٌ، انطلاقا من رفض أي صيغةٍ من العنف ضدهم وضد غيرهم (حادثة طعن فتى فلسطيني أخاه بجانب ملجأ للمثليين والمثليّات في تل أبيب مدانةٌ بلا تردّد). ولمّا كان البعد العلاجي، التربوي، النفسي، الطبي، غير حاضر في نشاط المؤسّسة المتحدّث عنها، أقلّه كما ينطق بذلك تعريفُها بنفسها، فإن الارتياب الحادث بشأنها يصبح مسوّغا، سيما وأنها تزاول أنشطتها من دون رغبةٍ بإضاءاتٍ إعلامية كافية، الأمر الذي جعل كثيرين يُفاجأون بوجودها، على الرغم من أكثر من عقد على عملها المرخّص. ولولا بيانٌ للشرطة الفلسطينية، صدر أول من أمس، (هل صحيحٌ أنه تم سحبه من موقعها الإلكتروني؟) توعد النشاط المزمع إقامته نهاية شهر أغسطس/ آب الحالي، بلغةٍ خشنة (كما لغة أي شرطة في العالم)، لما كان ممكنا أن يذيع أمر المؤسّسة، و"ورشاتها" المرتقبة البادي أنها في صدد التراجع عنها، بحسب ما يوحي به بيانُها الذي ردّ على وعيد الشرطة (لغة كل شرطة ليست لغة بابا الفاتيكان ولا لغة الأم تيريزا)، وتجاهلَ قصة "المخيم"، والدعوةَ إلى التسجيل الإلكتروني للمشاركة فيه.
وعندما تقول مديرة مؤسسة القوس، حنين معيكي، إن القوانين السارية في مناطق السلطة الفلسطينية لا تتضمّن قانونا واضحا يمنع المثليّة الجنسيّة أو يجرّمها، فذلك يساند افتراض أن أداء المؤسّسة مع المثليين (لم لا نقول الشواذ جنسيا من دون حرج؟) إنما يهدف إلى مجرّد عدم تعاطي المجتمع معهم بعنف، أي بعبارةٍ أوضح إلى أن "يطبّع" المجتمع صلتَه بهم، فيكون وجودُهم مقبولا، أو أقلّه متروكا من دون رفض. ومع هذه الحقيقة الميسور أن يقع عليها قارئ بيانات مؤسّسة القوس عن نفسِها، وعن مخيم نهاية أغسطس/ آب الحالي (المتوقع إلغاؤه؟)، يتعجّب واحدُنا من استهجان القائمين على المؤسسة (وأنصارها) تحفظات المجتمع الفلسطيني الرافضة للشذوذ الجنسي، بل ويتعجّب أكثر من سخرية من سخروا من بيان الناطق باسم الشرطة الذي قال ما قال عن قيم المجتمع الفلسطيني العليا، وتوعّد بملاحقة أي نشاط في هذا الخصوص، ودعا أفراد المجتمع إلى المساعدة في الأمر. ولا يجد صاحبُ هذه الكلمات حرجا إذا ما شدّد على أن الشرطة الفلسطينية، في بيانها ووعيدها، إنما تقوم بمسؤولياتها.
المثليّة الجنسيّة مرفوضة، في أعراف الفلسطينيين (والعرب وشعوب عديدة في الأرض). وإذا كانت أوساطٌ في بلاد في الغرب والشرق لا ترى ذلك، فهذا شأنُها. ولا علاقة للقصة كلها بمحافظةٍ أو تحرّر، بتخلفٍ أو حداثة، وإنما بقيم وأخلاق وبنواميس البشر.
358705DE-EDC9-4CED-A9C8-050C13BD6EE1
معن البياري
كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965. رئيس قسم الرأي في "العربي الجديد".