أين ملك الأردن مما يحدث؟

أين ملك الأردن مما يحدث؟

18 اغسطس 2019
+ الخط -
دخول مستوطنين يهود باحة المسجد الأقصى، بدعوى الصلاة في موقع هيكل سليمان المزعوم، خصوصا في يوم عيد الأضحى، كان رسالة إسرائيلية إلى الفلسطينيين والأردن، مفادها أن موضوع السيادة على القدس ومقدّساتها قد حُسم، قبلَ الفلسطينيون والأردنيون أو رفضوا، سواء تم الإعلان عن الخطة الأميركية المسمّاة صفقة القرن أو لم يتم.
لا عذر للسلطة الفلسطينية بعدم التحرّك فورا، ولكن ما حدث كان تحذيرا مباشراً لملك الأردن، عبد الله الثاني، أن عليه القبول رسمياً وعلنياً بالسيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى، وأن عهد المجاملات بشأن الوصاية الهاشمية قد ولّى، فاقتحام شرطة الاحتلال ساحة المسجد، والاعتداء على الفلسطينيين فيه، يعنيان أن الحكومة الصهيونية لن تنتظر قبول السلطة الفلسطينية أو الأردن بالتعامل مع الخطة الأميركية، لأن فرض تنفيذ مرتكزاتها قد سبق ويسبق الإعلان عن بنودها.
ليست الاعتداءات الإسرائيلية على المقدّسات الإسلامية في القدس جديدة، لكن التوقيت في عيد الأضحى، وعلى وقع صفقة القرن، بما فيها من تصفية للحقوق التاريخية والقانونية للشعب الفلسطيني، يأتي في غضون الجهود الأميركية - الإسرائيلية لتضييق الخناق على كل من السلطة الفلسطينية والأردن، وإشعار كليهما بالعزلة السياسية، وسط صمت عربي ودولي.
أردنياً، وفي ظل فقدان الدولة قدرتها على مواجهة التحدّيات الداخلية والخارجية، عمّقت الصفعة الإسرائيلية الجديدة الشعور لدى الأردنيين بأن بلدهم من دون حماية، بل ترى أوساط أنه يفتقد إلى إرادة سياسية بأخذ موقف حاسم، إن كان في اتجاه الإصلاحيْن، السياسي والاقتصادي، أو بشأن الخطة الأميركية الواضحة المعالم، سواء من خلال التصريحات الرسمية الأميركية، أو الأهم الخطوات العملية على الأرض، من قبيل الاعتراف بضم القدس وهضبة الجولان والضم التدريجي غير الرسمي لمناطق واسعة في الضفة الغربية.
رسمياً، لم تغير الدولة الأردنية موقفها المعلن من الالتزام بحلٍّ يضمن قيام دولة فلسطينية 
مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية، وهو ما أكد الديوان الملكي عليه، بعد زيارة مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر عمّان قبل أسابيع، فيما دانت وزارة الخارجية الانتهاكات الإسرائيلية لحرمة الأقصى يوم العيد، رافضة التغييرات التي تحاول أن تفرضها إسرائيل على وضع القدس المحتلة، ولكن هذه البيانات ليست كافيةً لطمأنة الأردنيين الذين ينتظرون وقف التطبيع مع إسرائيل، أو طرد سفيرها من عمّان. وموضوعياً، من غير المعقول أن يقبل الملك عبد الله الثاني خطة أميركية تشكل خطرا، ليس على الأردن ولا على الدولة فقط، بل وعلى النظام نفسه، فالمطلوب من الدولة الأردنية المشاركة بدور أمني لقمع الفلسطينيين في الضفة الغربية، أو تطبيق حصار غير مسبوق على الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين، بغرض إخضاعه للتخلي عن حقوقه الوطنية. ولكن على صناع القرار تفهم أسباب هذه الشكوك، بغض النظر عن عدم صحتها، فلماذا إذن يمضي تنفيذ المشاريع التطبيعية مع الكيان الصهيوني؟ بدءاً من أنبوب الغاز "الإسرائيلي" المسروق من الفلسطينيين، مروراً ببوابة الأردن، وهي منطقة تجارة حرة تقدّم العمالة الأردنية الرخيصة نسبيا لإنتاج بضائع ومنتجات زراعية إسرائيلية إلى العالم العربي، مستخدمة الأراضي الزراعية الأردنية، أو مشروع سكة الحديد التي ستربط الكيان الصهيوني بالعالم العربي، ومحطات لتسيير شاحنات نقل إلى العواصم العربية، تجعل الأردن ليس أكثر من ممر للغزو الاقتصادي الإسرائيلي للأسواق العربية بكلف رخيصة نسبياً، وتضع الاقتصاد الأردني رهينة للقرارات السياسية والاقتصادية الإسرائيلية.
استمرار الأردن في هذه المشاريع، وعدم تجميدها، على الرغم من كل الإجراءات الصهيونية والاستهانة بالأردن، والخطر من هيمنة إسرائيل سيظهر أكثر جلاء، حين تتدخل قوى أمن إسرائيلية بحراسة المنشآت التطبيعية، وستكون الصورة أكثر قتامة، وأقرب إلى المشهد الذي يراه المواطن الأردني على شاشات التلفزيون من سيطرة أمنية ومناطق محظورة قريبة، وإن لن تكون متطابقة مع الإجراءات على أرض فلسطين.
وإضافة إلى أن فشل الدولة في تنفيذ خطة لمعالجة جذور الأزمة الاقتصادية الاجتماعية زاد من نقمة فئات أردنية واسعة، لم تقتصر على الطبقات العاملة والكادحة، بل والوسطى وشرائح من المستثمرين ورؤوس الأموال الأردنية، فصحيح أن الحكومة ورثت عبئا ثقيلا، لكن البدء في اجتراح حلول حقيقية يحتاج قرارا سياسيا، بهدف تغيير النهج الاقتصادي، وتحمل الدولة مسؤولياتها الاجتماعية سيعطي ولو بريقاً من الأمل للمواطن بمستقبله ومستقبل أولاده.
وزادت الأمور غموضا التغييرات المتتالية التي أجراها الملك أخيرا، وطاولت مدير المخابرات العامة ورئيس هيئة الأركان وضباطا وكوادر عليا ووسطى، وهي تاريخيا تتم من دون تقديم الأسباب، ولكن حالة التوتر التي يعيشها الأردن تجعل كل خطوة محورا للشكوك والإشاعات، وخصوصا أننا نشهد صراعا بين النخب القريبة من الدولة أو داخلها، فجزء من "معارضة" رئيس الحكومة، عمر الرزاز، لا علاقة له بقوى المعارضة الأصيلة، ولا بالحراك، بل بتصفية حسابات نفعية تشوش على المعارضة الحقيقية، وعلى الحراك المستمر في وقفته الأسبوعية من دون كلل أو ملل.
المشكلة أن مواقع أصبحت رمزا للوجاهة والمشيخة في مناطق شاغليها، ومن الصعب التخلي
 عنها، ولذا تشتد الصراعات التي تترجم إلى إغلاق شوارع من أبناء عشيرة احتجاجا على إقالة مسؤول كبير منهم، وفي مقالات وبرامج إعلامية، تصب في سياق صراع المواقع والمناصب والمنافع، في ما يكشف أن هذه أولوية جزء مهم من شاغلي المواقع الرسمية على حساب قضايا المواطن والوطن. المهم أن لا تلجا الدولة إلى الحلول الأمنية وقمع الحريات، وتعمل على إطلاق سراح المعتقلين السياسيين فوراً، خصوصا أنه يتم تحويلهم إلى محكمة أمن الدولة التي تفتقر إلى أسس المحاكمة العادلة، ومرفوضة دوليا.
وعودة إلى مشهد القدس يوم العيد، ينطوي في قسوته ورمزيته على استهتار إسرائيلي تام بالمواقف العربية، وخصوصا موقف الملك عبد الله الثاني، فالإدانة لم تعد كافية، إذا أراد الملك (وهذا ينطبق على السلطة الفلسطينية) أن تأخذ أميركا موقفه بجدّية، فواضح أنه اختار لعبة الوقت، مراهنا على فشل الخطة الأميركية قبل الإعلان عنها، ولكن الإجراءات الإسرائيلية تفرض، بدعم أميركي، وقائع على الأرض، لا بد من مواجهتها قبل فوات الأوان، لأن في ذلك خطرا على فلسطين والأردن نظاما وشعباً.