خرّافية خالد يوسف

خرّافية خالد يوسف

16 اغسطس 2019
+ الخط -
الخرّافية مفردةٌ شعبيةٌ فلسطينيةٌ (وربما شامية)، عاميّة عتيقة، تسمّى بها الحكاية متعدّدة القصص المتناسلة منها، وتتضمّن غالبا أعاجيب ووقائع غريبة. والمأثور أن العجائز والجدّات هم من يسردون هذا النوع من القصص، المسلية والشائقة، والمثيرة أحيانا للأخيلة. بعضٌ من هذا يحضر في حكاية مخرج السينما المصري، خالد يوسف (55 عاما). فيها ما لا يتوقف من قصصٍ تتوالى من حواشيها، فيها ما يبعث على الفضول، وفيها توابل خراريف لازمةٌ لتطويل الثرثرات والنمائم. ولمّا صارت فيها أيضا مباذلُ مُخزية، منسوبةٌ إلى الفنان الطموح، فإن الواحد منا صار يأنفُ مما يشاهد ويقرأ، ومما يعفّ عن ذكره. وإذا صحّ ما يذيعه مخرج "دكان شحاتة" عن براءته من "المواقعات" الجنسية التي صار مشهورا اتهامه بأنه ورّط فيها شاباتٍ، هاوياتٍ في التمثيل والإعلام والرقص و..، بتصويرهن في غضونها، فإن "سوء السمعة" قد حدث، و"الاشتباه" قد وقع بأن المخرج، المنتخب نائبا في البرلمان، ربما يكون فعل ما شوهد نزرٌ منه في "فيديوهاتٍ" فاضحةٍ، محفوظةٌ تفاصيلُها لدى الأمن المصري إيّاه. 
غادر النائب المحصّن، مخرج "خيانة مشروعة"، في فبراير/ شباط الماضي، إلى باريس، وأشاع أنها أيامٌ ويعود، فلا شيء يدينُه، ولأن "سلطات التحقيق على علم بالجاني"، بصدد شريط الفيديو الذي قيل إنه لممثلتين شابتين يراقصانه في "أوضاعٍ مخلّة"، وإنه ابتزّهما من أجل ممارسة الفاحشة. ولكنه لم يعد، وتم توقيف المذكورتيْن، ثم أخلي سبيلهما، وما زالت القضية منظورةً في محكمةٍ مختصة. ثم استجدّ حكيٌ عن شريط آخر لصاحبنا مع مذيعةٍ في قناة تلفزيونية مصرية. وقبل أيام فقط، تردّد أن مشاهد فاضحة يتضمّنها فيديو آخر، تجمع التلميذ الشاطر ليوسف شاهين مع ممثلةٍ مصريةٍ معروفة. ولأنه ليس من مشاغل صاحب هذه الكلمات التدقيق في صحة هذا كله أو عدمها، فإنه يلتفت إلى ما أصبحت عليه أخبار خالد يوسف. لم تعد تتعلق بمشروع فيلم جديد يعمل عليه، إخراجا (وتأليفا)، ولا بمهرجانٍ يفوز فيه بجائزةٍ مقدّرة، كما كان أمرُه قبل أن يعبر إلى طوْر "الفيديوهات" الوسخة هذه. أو على الأصح قبل أن تخونه أوهامُه عن شطارته، لمّا ظن أن دولة النظام الأمني الحاكم في مصر الراهنة ستجيز له أن يشرب حليب السباع، ويعارض تعديلاتٍ على الدستور، تبيح تمديد رئاسة عبد الفتاح السيسي إلى ما شاء الله.
توفّي أخٌ له، قبل أيام، ونُشر أن "نصيحةً" وصلت إليه من جهاز أمني بأن لا يعود من باريس للمشاركة في العزاء. والمرجّح أنه لم يكن في حاجةٍ إلى من ينصحه، فهو يعلم أن "السخافات الأمنية" (بتعبيره)، ما زالت لها اليد الطولى في خرّافيته، وأن انتظاره "هدوء العاصفة" (بتعبيره) قد يطول، سيّما وأن كتاب رفع الحصانة النيابية عن شخصه جاهز، بل ثمّة دعوى يُنظر فيها بعد أيام لنزعها منه، بسبب فقدانه شرط "حُسن السمعة" لدى النائب في البرلمان، وسيّما، قبل ذلك وبعده، أن في وسع أي محام شاطر، ومدعومٍ من الأجهزة إياها، أن ينتقي من "قانون مكافحة الدعارة والتحريض على الفسق" ما يُعمِل به اتهام تلكما الممثلتين الهاويتين له بطلب القيام بأفعالٍ شاذّة، .. والعياذ بالله.
إنه إذن اللعب مع الكبار، معطوفا على أوهامٍ عن حظوةٍ متحقّقة، أوقعا خالد يوسف بما لم يكن في حسبانه وهو يُعار طائرةً عسكريةً من القوات المسلحة لتصوير مظاهرات "30 يونيو" ضد الرئيس محمد مرسي. ظنّ أن معارضته تعديل الدستور الذي كان عضوا في لجنة صياغته لن تكون كبيرةً لا تُغتفر. لم يقدّر تماما على أي أرضٍ يقف، ولا أي سلطةٍ يُناوشها بشجاعته الطارئة هذه. ربما جاء إلى خاطره أن "تسامح" نظام حسني مبارك معه، لمّا أنجز أفلاما عن سطوة البوليس القاسية، وعن الفقر الشديد بين المصريين، وعن قهرٍ بالغ يُغالبونه، سيحظى بأوسع منه، وهو النائب منتخبا في نظام ديمقراطي، ورث نظام الإخوان المسلمين الذي خاصمه. لم يدر أن دولة "الفيديوهات" القذرة، في الزمن المصري الأوسخ منذ عقود، لا تحتمل مزحةً بائخة، من قبيل عدم الرضى عن تطويل رئاسة عبد الفتاح السيسي...
أخفق أحدث أفلام خالد يوسف "كارما"، جماهيريا ونقديا، من فرط ما فيه من "تشاطرٍ" مفتعل. وأظنها مقادير التشاطر الفائضة التي زاولها الناصري القديم، وهو يظنّ نفسه ذخيرةً لازمةً في نظام السيسي، ستُخفي "مواقعاتِه"، وتحمي سمعته من النهش الجاري فيها، فصارت خرّافيته هذه لا تبعث على أي تعاطفٍ معه.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.