المسؤول ليس مسؤولاً

المسؤول ليس مسؤولاً

16 اغسطس 2019
+ الخط -
نشرت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أغنيس كالامار، تقريرا عن مقتل جمال خاشقجي، أكدت فيه أن الرجل كان ضحية مخطط وضع من أعلى سلم القيادة السعودية، وأن ولي العهد، محمد بن سلمان، متواطئ في الجريمة، وفي محاولة التغطية عليها، وطالب التقرير بفرض عقوباتٍ على بن سلمان ومسؤولين سعوديين آخرين. 
الطريف كان رد الفعل السعودي، الرسمي ومن موالين للنظام، ففضلا عن الاتهامات المعتادة للتقرير بأنه "مسيّس" و"يفتقر للمعلومات" ومنحاز، لجأت جهاتٌ وشخصيات سعودية إلى تبرير غريب، أن كالامار ليست ذات صفة رسمية، ولا تمثل الأمم المتحدة! وأن تقريرها لا يعتبر رسمياً للمنظمة. هكذا حاول المسؤولون والكتاب السعوديون دفن رؤوسهم في الرمال، فكيف تكون المفوضة الأممية لحقوق الإنسان لا تمثل الأمم المتحدة؟ هل عملت في التقرير الذي استغرق إعداده خمسة أشهر بدون علم الأمم المتحدة مثلا؟ هل تنتحل صفة غير حقيقية؟ لم يستطع أي من هؤلاء مواجهة الحقيقة، فادّعوا تلك الادعاءات الهزلية.
ويلاحظ المتابع للأداء السياسي والإعلامي لدول الحصار دائما أن تلك سياسة ثابتة في إنكار الواقع، والتنصل من المسؤولية، باتهام الجهات والشخصيات الرسمية بأنها لا تمثل دولها أو شعوبها أو منظماتها. وقد ارتبطت قضية خاشقجي بعديدٍ من تلك الأمثلة، أبرزها الهجوم المنحط للذباب الإلكتروني على خطيبة خاشقجي، والزعم أنها ليست خطيبته، وإنها ليست ذات صفة، ليحق لها الحديث عنه، في محاولة منهم للانتقام منها، لأنها كانت أول من أبلغ عن اختفائه داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
وبعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه رئيس الوزراء البحريني، الشيخ خليفة بن سلمان، بأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، لتهنئته بحلول شهر رمضان، قدّمت وكالة الأنباء البحرينية تبريرا من 
أغرب ما يمكن لهذا الاتصال، إذ قالت إن رئيس الوزراء لا يمثل البحرين! الغريب هنا أن رئيس الوزراء يعتبر الشخصية الثانية في البلاد بعد الملك، ومؤكّد أن أي تصرف منه يمثل بلاده، بشكل أو بآخر، كما أنه كان واعيا بالجدل الذي يمكن أن يثيره الاتصال، وأنه سيُحسب بشكل ما على بلاده، ومع ذلك قام به، فإذا كان رئيس الوزراء البحريني لا يمثل البحرين، فمن يمثلها إذن؟
ويذكّر الادّعاء المضحك بأن رئيس وزراء بلد ما لا يمثل بلاده بواقعةٍ أخرى مشابهة مع دول الحصار، عندما هاجمت السعودية ووسائل إعلامها وزير الخارجية الألماني السابق، زيغمار غابرييل، بسبب تصريحاته المتكرّرة ضد السياسة الطائشة لمحمد بن سلمان فيما يتعلق بحصار قطر واختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وملفات أخرى، ما أدى إلى استدعاء الرياض سفيرها في برلين للتشاور في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، ففي معرض هجومها على الوزير، نقلت وزارة الخارجية السعودية عن مصدر مسؤول فيها قوله إن تصريحات غابرييل "لا تمثل موقف الحكومة الألمانية"! وهو تصريح "مسخرة"، لأنه يدّعي أن الوزير الذي يعتبر واجهة بلاده الخارجية ليس مسؤولا عن سياستها الخارجية.
الوجه الآخر في سياسة دول الحصار تلك هو القيام بما يشبه عملية "قرصنة" لمواقف شخصيات ومؤسسات، وإصدار بياناتٍ مزوّرة لا تعكس حقيقة مواقف تلك المؤسسات أو أعضائها، فقد استغلت السعودية مجلس التعاون الخليجي في أثناء أزمتها مع كندا العام الماضي، في إصدار بيان على لسان الأمين العام للمجلس، عبد اللطيف الزياني، يؤيد فيه إجراءات السعودية بحق كندا، بعد انتقاد وزارة الخارجية الكندية احتجاز ناشطات سعوديات، ومطالبتها الرياض بالإفراج عنهن. وأصدرت دولة قطر بيانا أكدت فيه أن تصريحات الزياني لا تعكس موقفها.
وبعد أزمة مقتل خاشقجي، استغلت السعودية مؤسساتٍ تجمع دولا إسلامية لـ"اغتصاب" بياناتٍ 
تعلن مساندتها لها، من دون أن تكون تلك البيانات معبّرة عن مواقف الأعضاء. مثلما قامت به الأمانة العام لجامعة الدول العربية التي يمثلها أحمد أبو الغيط، إذ أصدرت بيانا أشادت فيه بالإجراءات السعودية، ورفضت ما سمّته "تسييس" القضية. كما أشاد أمين عام منظمة التعاون الإسلامي، يوسف بن أحمد العثيمين، بما سمّاها "الشفافية التي تعاملت بها حكومة المملكة العربية السعودية مع قضية اختفاء جمال خاشقجي". وحرصت وسائل إعلام دول الحصار على نشر التصريحين باعتبارهما يمثلان المنظمتين. والعثيمين سعودي، ولا يجرؤ على مخالفة ما تقرّره القيادة السعودية في أي ملف، ومؤكّد أن تصريحاته لا تمثل جميع الدول الأعضاء، وأبرز مثال لذلك تركيا التي لا توافق على تصريح أمين عام المنظمة، لأنها أعربت فيها عن استيائها من مماطلة السلطات السعودية في القضية، وتستّرها على القاتل الحقيقي الذي أصدر أمر القتل.
D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.