في ذكرى درويش القصيدة

في ذكرى درويش القصيدة

13 اغسطس 2019
+ الخط -
ها نحن نتقزّم أيها الدرويش أمام كل ذكرى لرحيلك الأبدي؛ لا ندري ما نقول إلا أن نردد أشعارك الخالدة، كأن نقول: 
أين راحت ميمُ/ المُتَيَّمُ والمُيتَّمُ والمتمِّمُ ما مضى
حاءُ/ الحديقةُ والحبيبةُ، حيرتانِ وحسرتان
ميمُ/ المُغَامِرُ والمُعَدُّ المُسْتَعدُّ لموته
الموعود منفيّاً، مريضَ المُشْتَهَى
واوُ/ الوداعُ، الوردةُ الوسطى،
ولاءٌ للولادة أَينما وُجدَتْ، وَوَعْدُ الوالدين
دالُ/ الدليلُ، الدربُ، دمعةُ دارةٍ دَرَسَتْ، ودوريّ يُدَلِّلُني ويُدْميني؟
إنها ذكرى رحيلك أيها النائم بسلام على تراب رام الله، لكننا الأحياء/ الموتى لسنا بسلام. دعك منا ودعني أسألك: هل مت حقا؟ أم أنك نسيت، كالبردوني، أن تموت.
هذا حديثك عن نفسك، أما لدينا فأنت لم تمت ذكرى وعاطفة وشعرا ومواقف. نعم لم تمت؛ فمنْ قال إن الموت يغلب الشاعر؟
وأنت تستعرض حياتك كأنها رحلة طويلة، بل هي كذلك؛ رحلة بدأت من قرية البروة في أم البدايات وأم النهايات، فلسطين، حتى هيوستن، تكساس لتعود كي تنام في رام الله.
رحلة لا تنتهي عذاباتها الموحية بهذا الشعر، وكأنك تقول لنا: لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي! ولن تنتهي في حضرة الغياب، ذلك الغياب الذي خاطبته: قُلْ للغياب: نَقَصتني. وأنا حضرتُ... لأُكملَكْ؟ فهل اكتمل الغياب؟
عند الحديث عن الموت فإن العصافير وحدها هي التي تموت في الجليل؛ لكنها، يا درويش، عندما تموت تكون كحبوب سنبلة تموت لتملأ الوادي سنابل، وهي تكتب قدرها على أوراق الزيتون المباركة، متحدية حالة الحصار، حصار مدائح البحر، فتنقش الأزلية على جدارية الرحيل في الشاطئ السوري خواطر رحلة كرحلة جلجامش باحثا عن الخلود!
هذه العصافير كروحك التي أتساءل أين هي الآن؟ فهل هي هناك على ضفاف المسيسبي تسمع لخطبة الهندي ما قبل الأخيرة، أم أنها في ركن الزفرة الأخيرة تبكي مع العرب الخارجين من الأندلس؟
ذكراك اليوم أيها الدرويش مولد وليست وفاة أو رحيلا؛ إنها مولدٌ لا ككل الموالد، إنها مولد شاعر عابر للحدود والأزمنة والأمكنة.
إيه أيها الدرويش كم ينز الحزن في قلوبنا ونحن نسمع إلقاءك الشعري الذي يمثل شعراً بحد ذاته، فالسلام على روحك الغامرة.
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
كاتب ومهندس من اليمن، مهتم بالعلوم ونشر الثقافة العلمية. لديه عدّة كتب منشورة إلكترونيا. الحكمة التي يؤمن بها: "قيمة الانسان هي ما يضيفه للحياة ما بين حياته ومماته" للدكتور مصطفى محمود.
عبد الحفيظ العمري