اقتحامات الأقصى لترسيخ التقسيم

اقتحامات الأقصى لترسيخ التقسيم

13 اغسطس 2019
+ الخط -
تؤكد الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، ومن أخطر فصولها اقتحام مئات المستوطنين صبيحة أول أيام عيد الأضحى ساحاته من جهة باب المغاربة، بحراسة مشدّدة لشرطة الاحتلال، استجابةً لدعوات الجماعات الصهيونية لتكثيف الاقتحامات الجماعية، تؤكد وجود أغراض سياسية محددة مرحلية في إطار استراتيجية بعيدة لتهويد القدس ومعالمها ورموزها الدينية. يعمل الاحتلال، بشكل لافت، على تصعيد عدوانه على القدس عامة، والمسجد الأقصى خصوصاً؛ وصولاً إلى تقسيمه الزماني والمكاني بين المقدسيين والمستوطنين اليهود، بغرض فرض الأمر الواقع التهويدي. وقد زادت وتيرة الاقتحامات التي قامت بها شخصيات ورموز سياسية ودينية صهيونية لباحات المسجد الأقصى، إلى جانب الدعوات المكثفة لمخطط تقسيم المسجد، وقد تم تكريس حيّز كبير لها في إطار حملة الأحزاب الإسرائيلية للانتخابات المزمعة في 17 سبتمبر/ أيلول المقبل.
تهدف دولة الاحتلال من هذا التصعيد إلى تحقيق غرض مرحلي: تكثيف الاقتحامات الصهيونية للمسجد الأقصى، وإقامة صلوات تلمودية مع هذه الاقتحامات؛ حتى تبني على ذلك في المستقبل حق المطالبة الباطلة بتقسيم باطل للأقصى، كما فرضت مثل هذا التقسيم الباطل على المسجد الإبراهيمي في الخليل. واللافت أن إسرائيل لم تتوقف عند هذا الهدف المرحلي، فأغلب التصريحات والممارسات الصادرة عن قادة إسرائيليين، وكذلك جماعات يهودية استيطانية تؤكد
أن الاحتلال يطمع، في النهاية، ببناء هيكل أسطوري زائف على حساب الأقصى. ويمكن الجزم أن الدعوات إلى تقسيم المسجد الأقصى ليست حديثة العهد، لكنها بدأت منذ احتلال الجزء الشرقي من مدينة القدس في 1967، وأن الذين دعوا، منذ ذلك العام، إلى تقسيم الأقصى، أو إلى بناء هيكل باطل على حساب المسجد، كانوا قادة سياسيين وعسكريين أو قادة دينيين أو حقوقيين في المجتمع الإسرائيلي.
وتجدّدت الدعوات والمبارزات لاقتحام الأقصى عشية الانتخابات الإسرائيلية. ولهذا ثمّة مشاركة واسعة في اقتحام باحات الأقصى أخيراً من قادة سياسيين وقضاة، وقد يكون بينهم أعضاء كنيست وآخرون من أجهزة الأمن، مع مستوطنين متطرّفين، وبحماية من شرطة وجيش الاحتلال. والثابت أن إسرائيل بدأت في تسريع مخططاتها، لجهة تهويد القدس، والوصول إلى مرحلةٍ تمكّنها من بناء الهيكل المزعوم على حساب الأقصى المبارك، فضلاً عن محاولة بسط السيطرة الإسرائيلية المطلقة على المسجد، وفرض مخطط تقسيمه زمانياً ومكانياً.
ويمكن الجزم أن اقتحامات المستوطنين وقادة إسرائيليين، المسجد الأقصى، وبحماية الشرطة لم تتوقف منذ 1967، ومن أهمها اقتحام 12 شاباً من حركة بيتار في 11 يوليو/ تموز 1971، وحاولوا الصلاة فيه. وفي 22 من الشهر نفسه أقامت مجموعة أخرى من الحركة الصلاة في الحرم القدسي. وكان الاقتحام الأخطر لباحات الأقصى يوم 28 سبتمبر/ أيلول 2000 لرئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه، أرييل شارون، بحماية عشرات من الجنود والمستوطنين، لتندلع إثر ذلك الانتفاضة الفلسطينية. وكان 2009 عاماً قياسياً للاقتحامات الإسرائيلية لباحات الأقصى، ففي 24 سبتمبر/ أيلول من ذلك العام، اقتحمت عناصر من وحدة "خبراء المتفجرات" في شرطة الاحتلال المسجد، وجالت في باحاته. وبعد ثلاثة أيام، اندلعت مواجهات فلسطينية مع الشرطة الإسرائيلية وجماعات يهودية داخل الحرم القدسي وعند بواباته.
وينطوي الاقتحام الأخطر لمستوطنين في أول أيام عيد الأضحى على مؤشرات ودلالات عن نية إسرائيل استغلال انحياز إدارة الرئيس الأميركي، ترامب، لمواقفها وتصوراتها، فضلاً عن تحولات المشهد العربي وانشغال الإعلام العربي بها، للإطباق على مدينة القدس وتهويد مناحي الحياة فيها. ومؤكد أن اقتحام المسجد الأقصى وتدنيس المستوطنين له يعكسان قرارات اتخذتها حكومة نتنياهو، بغرض السيطرة على المسجد وفرض السيادة اليهودية المطلقة عليه، إذ لم تعد فكرة التقسيم الزماني والمكاني مجرّد شعار مرفوع، بل باتت أمرا واقعا، ومقدمة لتهويد مدينة القدس. وتتطلب هذه الاقتحامات الضغط عربيا وإسلاميا لإصدار قرار دولي من مجلس الأمن، ملزم لإسرائيل لمنع التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى، وإدانة الإجراءات الإسرائيلية التي من شأنها تغيير طابع مدينة القدس، والمسجد الأقصى خصوصا.