بين مورو وأبو الفتوح

بين مورو وأبو الفتوح

11 اغسطس 2019
+ الخط -
مع إقفال باب الترشيحات للانتخابات الرئاسية التونسية المقررة منتصف الشهر المقبل (سبتمبر/ أيلول)، يمكن القول إن المعركة الديمقراطية في تونس ستكون حامية الوطيس، خصوصاً في ظل الشخصيات القوية التي أعلنت خوض الانتخابات، والتي تتوازى إلى حد ما في الحظوظ، والحديث هنا عن خمس شخصيات أساسية، الرئيس السابق المنصف المرزوقي، ووزير الدفاع المستقيل عبد الكريم الزبيدي، ورئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، ورئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي، ونائب رئيس البرلمان الحالي عبد الفتاح مورو، مرشح حركة النهضة التي قرّرت خوض السباق إلى قصر قرطاج بشكل مباشر، وليس عبر دعم أحد المرشحين، كما فعلت في الاستحقاق الرئاسي السابق، الأمر الذي يؤكّد أن طريق أيٍّ من المرشحين إلى القصر الرئاسي لن تكون سهلة. 
غير أن قرار "النهضة" ليس وحده ما يزيد من حدّة المنافسة، ويجعل نتائجها غير مضمونة لأحد، بل شخصية عبد الفتاح مورو، والذي تتجاوز شعبيته فكرة انتمائه إلى "النهضة" فقط، إذ إن الرجل يحظى باحترام أطياف كثيرة من المشهد السياسي التونسي، من اليمين واليسار، إضافة إلى محاولته تجديد الفكر الديني، والتي وضعته في صدامٍ مع حزبه في مرحلة من المراحل، الأمر الذي جعله قريباً من رجل الشارع العادي الذي يعلن انتماءه إلى الإسلام، من دون أن يكون راغباً في الانتساب إلى أي من الحركات الإسلامية أو تأييدها.
الخلطة التي يمثلها مورو تشبه إلى حد كبير تلك التي كان يعبر عنها المرشح الرئاسي المصري السابق، عبد المنعم أبو الفتوح، والذي يقبع اليوم في سجون ديكتاتور مصر عبد الفتاح السيسي. وعلى الرغم من أن أبو الفتوح ترشح إلى انتخابات الرئاسة المصرية عام 2012 بعد انشقاقه عن "الإخوان المسلمين" بسبب الخلاف على المشاركة في تلك الانتخابات، على عكس مورو الذي حظي بترشيح مباشر من حزبه، إلا أن الرجلين يتشابهان، إلى حد ما، في قدرتهما على الجمع بين أفكار وأطراف متعددة في المشهد السياسي، فأبو الفتوح القادم من خلفية إسلامية، استطاع استقطاب ناشطين يساريين كثر عملوا معه في الحملة الانتخابية.
هذه الخلطة التي مثلها أبو الفتوح جعلت مراقبين كثيرين يظنون أنه سيكون الحصان الأسود في السباق الرئاسي المصري، ويصل بسهولة إلى قصر الاتحادية، غير أن المفاجأة كانت في حلوله في المركز الرابع بعد محمد مرسي وأحمد شفيق وحمدين صباحي. المفاجأة كانت للمتابعين من الخارج، غير أن العارفين بالتركيبة المصرية اعتبروا الأمر ليس غريباً على الإطلاق. أحد الأصدقاء المصريين شرح الأمر بعبارات بسيطة، حين سألته عن سبب فشل أبو الفتوح. قال حينها "إن المواطن المصري العادي حين يذهب إلى الصيدلية لصرف دواء، يتوقع من الصيدلي أن يعطيه وصفة جاهزة ليشربها، لا أن يطلب منه مزج هذا المكون مع ذاك وأخذه، حتى لو أن نتيجته ستكون أفضل، وأبو الفتوح بالنسبة إلى الناخبين العاديين كان مثل هذه الوصفة التي لا يستسيغونها".
مورو، إلى حد ما، قد يكون يمثل حالة مشابهة لهذه الوصفة، مع فارقيْن جوهريين، قد يحسبان لصالحه، أو قد ينقلبان ضده. لعل الأول مرتبط بالشخصية التونسية، وما إذا كانت مغايرة لنظيرتها المصرية، وقادرة على استيعاب خلطةٍ مثل التي يمثلها مورو لجهة قدرته على الجمع بين أكثر من توجه سياسي، إضافة إلى الانفتاح الديني. الفارق الآخر، والأساسي، هو دخول مورو السباق الرئاسي بترشيح مباشر من حركة النهضة، على عكس أبو الفتوح، الأمر الذي قد يؤدي إلى امتناع ناخبين من غير التيارات الإسلامية، حتى لو كانوا معجبين بفكر مورو، عن منحه أصواتهم باعتباره سيكون ممثلاً لحركة إسلامية.
المعركة الانتخابية ستكون حامية، وبغض النظر عن نتيجتها، إلا أن مثل هذه الشخصيات قد تكون حلاً مثالياً لأي مصالحات داخلية تحتاجها المجتمعات العربية.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".