لبنان وقلق الفلسطينيين من التوطين!

لبنان وقلق الفلسطينيين من التوطين!

02 اغسطس 2019
+ الخط -
قبل أسابيع، وفي ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في لبنان، بادر وزير العمل اللبناني، كميل أبو سليمان، إلى تفعيل قانون العمل لناحية العمّال الأجانب، خصوصا السوريين منهم في ظل ارتفاع منسوب الخطاب الذي يحمّل اللاجئين السوريين مسؤولية كبيرة عن الوضع الاقتصادي المتردي، والآخذ بالانهيار في لبنان، فشرعت الوزارة في عمليات ملاحقة العمّال الأجانب في لبنان. ولكن الإشكالية الكبرى نشأت عندما قاربت الوزارة، بتفعيلها القانون، عمالة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فهذا ملف يختلف جذرياً عن ملف العمالة السورية أو غيرها من العمالة الأجنبية، خصوصا أن عملية تفعيل القانون بحق اللاجئين الفلسطينيين جاءت بعيد الورشة الأميركية بالمنامة عن السلام والازدهار، والتي جرى الحديث حينها عن أنها المقدمة الاقتصادية لما تعرف بـ "صفقة القرن" لتصفية القضية الفلسطينية، وشطب حق العودة، وتالياً توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم. وهنا ارتاب اللاجئون الفلسطينيون في لبنان من هذه الخطوة التي قامت بها وزارة العمل، وشعروا بالخطر والقلق الشديد من عملية غير معلنةٍ تهدف إلى تصفية قضيتهم وحقهم بالعودة إلى فلسطين، وتالياً توطينهم في البلد، أو تهجيرهم منه. ولذلك تم رفض إجراءات وزارة العمل والاحتجاج عليها، وشرعت مخيمات لبنان، من حينه، في إضراب مفتوح وحركة احتجاجاتٍ لا تتوقف، متمسكين بحقهم بالعودة، ورفضهم التوطين أو التهجير، ومطالبين بحقوقهم المدنية بوصفهم لاجئين في البلد، وقد أخذت التحرّكات الفلسطينية الطابع السلمي، وأكد القيّمون عليها حرصهم على أمن لبنان واستقراره، وعلى أفضل العلاقات مع أشقائهم اللبنانيين.
يتسلح وزير العمل بأنه لم يقرّ قانوناً جديداً يطاول اللاجئين الفلسطينيين، بل كل ما فعله هو 
تفعيل القانون القائم، وهو محق، إلا أن من الأهمية الإشارة إلى حقيقة أن تفعيل هذا القانون في ظل الظروف القائمة حالياً في المنطقة، والحديث المتعاظم عن "صفقة القرن" التي تهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية، تجعل من حق أي إنسان أن يرتاب، وأن يشعر بالقلق والحذر، إذ إن البيئة والظروف غالباً ما تضفي على أي قانون أو على أي عبارة معنىَ معيناً ربما تخرجه أو تخرجها عن سياقها الطبيعي، وهذا ما حصل عند الحديث عن تفعيل القانون. وبالتالي، كان لبنان في غنىً عن هذه المسألة، خصوصا بالنسبة للاجئين الفلسطينيين الذين يعتبرون جزءاً من الدورة الاقتصادية اللبنانية، بل أكثر من ذلك هم يشكلون جزءاً رافداً للدورة الاقتصادية اللبنانية، من خلال الأموال التي يرفدها بهم ذووهم من أبنائهم أو أهليهم العاملين في الخليج أو في أوروبا أو أميركا أو أي مكان. وبالتالي هم عنصر قوة للاقتصاد اللبناني، وليسوا عنصر ضعف. فضلاً عن أن القانون اللبناني أجاز لهم العمل في قطاعاتٍ محددة، فيها نقص لليد العاملة اللبنانية، ومنعهم من العمل في قطاعاتٍ ومهن أخرى، فيها فائض لليد العاملة اللبنانية، وهو ما يجب أن يسهم في تنظيم هذا الأمر، وتحويله إلى فرصة بدل أن يكون مشكلة.
الأمر الآخر المتصل بهذا الملف أن لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني التي ضمّت معظم الأحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية، وخلال حوارها الذي جرى خلال الأعوام السابقة (2015 – 2016)، توصلت إلى خلاصاتٍ بضرورة منح اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم المدنية في لبنان، وتنظيم شؤونهم بشكلٍ يريحهم ويريح الجانب اللبناني، وقد وافقت على هذه الخلاصات والمخرجات كل الأحزاب اللبنانية، بما فيها التي تثير هذه الضجة والضوضاء اليوم. وبالتالي، لا يحتاج الأمر اليوم أكثر من إصدار المراسيم لهذه الخلاصات في مجلس الوزراء، حتى يتم الانتهاء من هذه الإشكالية إلى الأبد.
لقد أثبت اللاجئون الفلسطينيون أنهم يتمسّكون بحق العودة إلى فلسطين أكثر من أي وقت مضى، كما أثبتوا أنهم ضد التوطين في لبنان أو في أي بلد آخر، لأن ذلك ينهي قضيتهم، لكنهم أيضاً ضد التهجير الذي يفضي إلى النتيجة نفسها. وبالتالي، فإن المصداقية اللبنانية في إنصاف الفلسطينيين والوقوف إلى جانبهم من أجل مصلحتهم ومصلحة البلد تكون عبر إصدار مراسيم مخرجات هيئة الحوار اللبناني الفلسطيني، وبانتظار ذلك التخفيف من وطأة القانون عبر الاستثناء الذي كان معمولاً به من كل وزراء العمل السابقين.