خديعة الأمن والاستقرار

خديعة الأمن والاستقرار

08 يوليو 2019
+ الخط -
نذر الكاتب الراحل خالد محمد خالد، قلمه للدفاع عن الحرية والديموقراطية، منذ صدور كتابه في أواخر الأربعينيات "مواطنون لا رعايا"، وحتى وفاته. لم يكن من حملة المباخر في سرادقات تمجيد الحكام. وعلى الرغم من ذلك، يقرر في كتابه "لو شهدت حوارهم لقلت" المنشور عام 1994: "في الاستفتاء على رئاسة الجمهورية الثالث للرئيس مبارك أعطيته موافقتي، لا من أجل سياسة ونظام حكمه، بل أعطيتها لعزمه الجسور وإصراره الكبير على أن يرد لمصر أمنها الغائب وطمأنينتها المشردة".. ويبرّر خالد ترشيحه الرئيس حسني مبارك لولاية ثالثة، وفي استفتاء (وليس انتخابا)، بدعوى أن مبارك هو صمام الأمن والاستقرار. 
أين، يا أستاذ خالد، الحرية والديموقراطية والمبادئ التي نافحت عنها طيلة حياتك؟! تبخرت أمام استثارة غريزة الخوف. وهذا ما يعلمه الطغاة جيداً، وهذه هي ورقتهم الرابحة، ولغتهم المفضلة في مخاطبة الشعوب المبتلاة بهم، فالأنظمة الديكتاتورية ترتكز على ثلاث ركائز في السيطرة على الشعوب: العاطفة والرغبة والرهبة.
العاطفة حباً أو كُرهاً تُعمي وتُصِم، أو كما يقولون: مرآة الحب عمياء، والرغبة تحوّل الصحراء في عين الظمآن ماءً، وتحول الشعارات إلى مشاريع. أما الرهبة (الخوف)، فهي الورقة الرابحة، فتأثيرها على تعطيل الحواس أقوى كثيراً من العاطفة والرغبة، فبتأثيرها يتحوّل المواطن إلى فأرٍ يرى القط أسداً، وتصبح أبلغ أمانيه: جُحْرا يختبئ فيه، وسقفا يؤويه، وسلطة بالعصا الغليظة تحميه. ومن أجل الأمن والاستقرار المزعوم، لم يضحِ المواطنون بحريتهم فقط؛ بل ضحوا بحقهم في التعليم والصحة، وأبسط متطلبات الحياة الكريمة.
ضربت المثل بالكاتب خالد محمد خالد، لأنني أعتبره من الصفوة المفكرة، وأحسبه مخلصاً، للتأكيد على مدى تأثير خطاب الرهبة والخوف المتسلط على الشعوب المسكينة المبتلاة بالحكم السلطوي، فإذا كان هذا حال هذا الكاتب، فما بالك بعامة الشعب؟
وعلى الضفة الأخرى من العالم، نجد مفهوماً مغايراً تماماً لمفهوم الأمن والاستقرار عندنا، فالأمن والاستقرار، كما تُعَرِّفهما العلوم السياسية، وكما تَعْرِفهما الدول المتقدمة، متلازمان مع العدالة والنزاهة والمساواة والرفاه والتنمية المستدامة والحكم الرشيد، أما الأمن والاستقرار القائم على عصا السلطة الغليظة، وعين الزعيم الساهرة على أمن الوطن، فقد أصبح زيفه وضلاله واقعاً مشهوداً في ما رأيناه من تهاوي الأنظمة السلطوية، وما عانته بلادهم لا يدع مجالاً للشك في خديعة الترويج الزائف للأمن والاستقرار.
C89F4B84-7610-4788-B355-1A7EBEB820CB
C89F4B84-7610-4788-B355-1A7EBEB820CB
محمود صقر
كاتب مصري.
محمود صقر