إيران.. مناورات سياسية

إيران.. مناورات سياسية

07 يوليو 2019
+ الخط -
ضمن السياسة التي تعتنقها إيران، وتنفذها في محيطها المباشر، ومجالها الذي تبنيه لنفسها، كان النفط هو الذراع الضاربة التي تحارب بها. ولدى إيران منشآت نفطية، مكّنتها من الوصول إلى إنتاج ستة ملايين برميل يومياً في أواسط السبعينيات، لينخفض العدد لاحقاً، بحسب التوترات السياسية، وليزداد الانخفاض، بحسب توجهات السوق في إيجاد مصادر بديلة أكثر نظافة.
تتمتع إيران بعضوية منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وقد ساهمت بفعالية في بناء سياسة هذه المنظمة، عبر التحكم بكميات الإنتاج، ولكنَّ "أوبك" بدأت تفقد بريقها، بسبب اضطرابات سوق النفط، وتباين السياسات التي يتبنّاها الأعضاء، وقدرة الدول النفطية غير المنضوية في "أوبك"، كروسيا، في التحكّم بالإمدادات والأسعار. وأعلنت إيران أن سلاح النفط في الاستراتيجيات السياسية قد يخرج كلياً أو جزئياً من يدها، وأن أهميته العالمية تنخفض، فأسعاره ما زالت تواصل الهبوط، على الرغم من تنامي الأزمات التي تعصف بمنابعه في فنزويلا والخليج، وهي، أي إيران، ترغب بمواصلة لعب دور الدولة القطب إقليمياً، ولدى قادتها طموحات وأهداف لإيجاد مراكز قوى ولوبيات عسكرية تابعة لها.
صنعت إيران أوراقاً بديلة، تحسّباً لأفول عصر النفط أو انحساره، فاعتمدت الخيار النووي، وشرعت بخطوات نووية، قرّبتها كثيراً من صنع المواد الأساسية التي تدخل في بنية السلاح النووي، وصولاً إلى لحظة الاتفاق النووي الشهير مع الولايات المتحدة الذي أجبرها على وقف برنامجها، والبحث عن أوراق أخرى.
أتاح الاتفاق النووي لإيران بعض مساحات الحرية، عندما وضعت نشاطاتها النووية تحت بندٍ مؤجلٍ، وجمَّدت، من دون أن تلغي، كل ما يمت لهذا البرنامج بصلة، ونفخت روحاً نشطة في ملفٍ آخر مختلف، ولكنه يدخل ضمن سياق السياسة الإيرانية ذاته، ملف الصواريخ البالستية طويلة المدى التي لا يشملها الاتفاق النووي. وهذه الورقة الجديدة تطوّرها إيران وترعاها، وتتقصد أن تسرّب إلى الإعلام آخر ما تتوصل إليه، الأمر الذي يُظهر أن إيران دولة مقامرة، همها الأساسي الحفاظ على الأوراق الصالحة للعب، والتحفّظ على أوراق أخرى تحت الطاولة لوقت الحاجة. تعتمد إيران هذا الأسلوب، لخدمة أيديولوجيا النظام الراغب بمد أذرع سيطرته على الإقليم، وإحكامها في سبيل بقائه في سدّة الحكم، وفاتورة هذه السياسة باهظة، تدفعها إيران على حساب التنمية، ومعدل دخل الفرد ومستواه التعليمي والاجتماعي، وأرقام هذه المؤشرات لدى إيران لا تسمح لها بالوجود ضمن الدول المتقدمة على الإطلاق.
خروج الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي أعاد النظام الإيراني إلى لعبته في تفعيل الأوراق النووية، فوضعها على الطاولة مجدّداً. وبصبر مقامر قارح، بدأ بالتهديد، ثم باشر زيادة إنتاج كميات الوقود النووي، حتى قاربت تجاوز الحدود المسموح بها بحسب الاتفاقية. وترافق ذلك كله مع جملة استفزازات، كان جديدها إسقاط طائرة أميركية مسيّرة. أبدت أوروبا بعض التعاطف مع إيران، وحاولت أن تبقيها ضمن الاتفاق، بالالتفاف على بعض عقوبات ترامب التي طبقت بقوة وإحكام أكبر من السابق، ولكن أوروبا ليست مستعدة لأن تذهب إلى آخر الشوط، ومن غير المعروف كيف ستتصرّف إذا نفذت إيران تهديدها تجاوز حدود التخصيب المسموحة، خصوصاً أن أوروبا تدرك أن إيران ليست شريكاً نزيهاً يمكن الركون إليه.
اللعبة مستمرة، فما يحدث الآن يدفع إيران إلى أقصى الزاوية، وهو مكانٌ تستطيع الذهاب إليه مؤقتاً، لأنها تنتظر من لعبة الأوراق تلك أن تنتج ما ينعش سوقها النفطي من جديد، والنظر الآن باتجاه احتمال نشوب الحرب يستبعده الجميع، على الرغم من أن ترامب زاد من احتمالاتها. الحل الآخر هو التفاوض، وهو ما حصلت إيران في الماضي عليه. والآن من الممكن أن يحدث السيناريو نفسه، ثم الخروج باتفاق جديد. وعندها على إيران أن تجد ورقة جديدة جذّابة، أو عليها أن تواجه استحقاقها الداخلي الذي ينتظرها بصبر شديد.