أدونيس والأسد والسيسي

أدونيس والأسد والسيسي

07 يوليو 2019

أدونيس يصافح سفير النظام السوري في بيروت

+ الخط -
بين حين وآخر، يتقدّم الشاعر السوري، أدونيس، خطوة باتجاه نظام الأسد الذي ما تزال دماءُ السوريين (ينتمي أدونيس نظرياً إليهم) تنقطُ من أصابعه. ويبدو أن مسيرَه باتجاه النظام لا يتبعُ خطاً أفقياً، بل منحدراً، بدليل أنه نزل إلى مستوى معانقة سفير الأسد في لبنان، علي عبدالكريم. وزاد في الطين بلة أن صورة "المُعَابَطَة" مع هذا السفير انتشرت في صفحات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع.. وكما العادة، مع كل خطوةٍ أدونيسيةٍ جديدة، انطلقت أقلامُ الأدباء والسياسيين وأصحاب الرأي والناشطين تدين وتستنكر ما فعله هذا الأديب المفكر الذي يُبدي، يوماً بعد يوم، افتراقَه عن شعبه، بذريعةٍ واهيةٍ، أن الثورة على النظام الاستبدادي انطلقت من الجوامع، فيما يمكن للمرء أن يراهن على أن أدونيس لن يؤيد ثورةً على نظام الأسد، حتى ولو انطلقت من "خمّارة فريدي".
عايش أدونيس، مثلما عايشنا نحن السوريين، ورأى رأيَ العين مثلما رأينا المسرحيةَ التراجيكوميدية التي استمر تأليفُها وإعدادُها وعرضُها عشر سنوات متواصلة من يوم أن دبَّ العطب بالديكتاتور الأكبر حافظ الأسد، وأيقن أنه سيموت، فراح يخطّط لتحويل سورية إلى جمهورية وراثية، وكيف تغيرت قفلة المسرحية في اللحظة الأخيرة من سنة 1994، عندما قُتل وريثُه الأول "الباسل"، في حادث سيارة، وقرّر استدعاء وريثه الثاني بشار ليبدأ فصلُ إعداده للاستيلاء على رقاب السوريين مكانه.. وشهد أدونيس كيف فَرَضَت الشُعَبُ المخابراتية على أعضاء مجلس الشعب أن يحضروا إلى دمشق جميعاً، بلا استثناء، ليشاركوا في أكبر عملية تزوير لدستورٍ هو في الأصل مُزَوَّر، ومُفَصَّل على مقاس قائد انقلاب الحركة التصحيحية الذي كان يومذاك في الأربعين من عمره، ليصبح بإمكان ابنه بشار ذي الأربع والثلاثين سنة أن يرشّح نفسه للرئاسة، وسط الهتاف والتعييش والزغاريد والدبكة أمام باب المجلس، في مشهد يمكن اعتباره الحلقةَ الأولى من مهزلة التوريث.
الحلقة الثانية تجلت في العودة إلى المادة السابعة من الدستور، ويكون تطبيقُها بأن تجتمع القيادة القُطرية للحزب "القائد"، وتقرّر إرسالَ اسم مرشحها الوحيد بشار الأسد البالغ أربعا وثلاثين سنة إلى مجلس الشعب الذي ما زال أعضاؤه يدبكون، وينخّون، احتفالاً بهذا الحدث العظيم، ثم يوافق المجلس على الاقتراح دفعة واحدة (باكِجْ).. وهنا تبدأ المهزلة الكبرى التي تتجلى بإجبار القسم الأكبر من أفراد الشعب السوري على قول "نعم" لهذا المرشح الوحيد، وتتولّى الفروع المخابراتية عملية الاقتراع بـ (نعم) نيابةً عن الموتى، والأحياء الذين لم تسمح لهم ظروفُهم بالتوجه إلى مراكز الاستفتاء.. ومحاسبة المواطنين الذين سمحت لهم ظروفهم بالاقتراع، ولكنهم تقاعسوا عامدين.. ومع هذا كله، يكتب أدونيس إلى بشار الأسد، في سنة 2012، بعد أن أنجز هذا الأخير قتلَ خمسين ألف مواطن، وتهجير مائة ألف، مخاطباً إياه بسؤال العارف: ألستَ قبل كل شيء رئيسَ بلادٍ وشعب؟.. ألستَ رئيساً مُنْتَخَبَاً..
على سيرة الرئيس المنتخب، أحب أن أقول للسيد أدونيس إن أول عملية انتخابية حقيقية شهدتها منطقتنا العربية منذ قديم الأزل جَرَتْ في مصر العربية سنة 2012، وفاز فيها المرحوم محمد مرسي. وإننا نحن السوريين الذي هَجَّرَنا بشار الأسد من ديارنا كنا ندخل طوال حكم مرسي إلى مصر ونخرج منها متى نشاء، ومن دون قيود أو شروط، ومؤسسات المعارضة، بما فيها (المعارضة الديمقراطية العَلمانية) كانت تنعقد في القاهرة.. إلى أن جاء العسكر، بقيادة عبدالفتاح السيسي، ليجهضوا هذه التجربة. أقول هذا وأنا، كاتب هذه الأسطر، مثل أدونيس، لا ألتقي مع أي فصيلٍ أو تيارٍ أو جماعة تُسَيِّسُ الدين، وتريد أن تحكم به.. ولكن العدل يقتضي منا ألا نقع في التناقض؛ فندينَ خيارَات الشعوب، ونطلق على مغتصب السلطة صفة "الرئيس المنتخب".
"خمّارة فريدي"
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...