هذه الملفات الحاسمة في تونس

هذه الملفات الحاسمة في تونس

06 يوليو 2019
+ الخط -
بمغادرته المستشفى العسكري في العاصمة، أنهى الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، حالة الإرباك العام السياسي والشعبي التي عاشتها البلاد منذ الخميس الماضي (27 يونيو/ حزيران 2019)، حيث تزامن خبر الوعكة الصحية الحادة التي تعرض لها الرئيس، واستوجبت نقله فورا إلى المستشفى، مع تفجيرين إرهابيين في العاصمة، ليفتح باب التأويل والاجتهاد والبحث في مقتضيات دستور 2014، وما يجب إجراؤه في حالتي عجز الرئيس أو وفاته. وزاد في إعلاء درجة التوتر والإرباك إعلان أجهزة إعلام تونسية وعربية (إماراتية وسعودية خصوصا) وفاة الرئيس، عمدا أو خطأ.
غادر الرئيس المستشفى إلى مقر إقامته في قرطاج، واضعاً حداً لمجمل التأويلات السابقة. وينتظر مباشرته ملفات مصيرية على مكتبه، وجب الحسم فيها فوراً. يتعلق أولها بانعقاد مجلس الأمن القومي، بغرض التمديد في حالة الطوارئ التي انتهت أمس (5 يوليو/ تموز). حيث كان الرئيس قد مدد فيها شهراً. وعلى الرغم من المزاج العام الذي اتسم بالارتياح لتحسن الأداء الأمني ومكافحة الإرهاب، والتصدّي للجريمة المنظمة، وارتفاع مؤشرات موسم سياحي واعد، إلا أن العمليات، أخيراً في الجنوب وفي العاصمة، كشفت أن غول الإرهاب ما زال يتربص بالبلاد، ما يتطلب مزيداً من اليقظة. وبالتالي التمديد في حالة الطوارئ، خصوصاً أن الأسابيع المقبلة ستشهد تحضيرات حثيثة للانتخابات التشريعية والرئاسية. وبذلك، يمكن للمؤسستين الأمنية والعسكرية أن تواصلا عملياتهما الاستباقية التي حققت إلى الآن نتائج مهمة إيقافاً لمشتبهين وذئاب ضالة، وكشفاً لمخازن أسلحة في ضواحي العاصمة وداخل الجمهورية، فضلاً عما تشهده الحدود التونسية الليبية من أحداث وغموض، إذ لا يمكن، في غياب قانون الطوارئ، مباشرة هذه العمليات الاستباقية من دون الحصول على تراخيص قضائية مسبقة، ما 
يعطل الأداءين الأمني والعسكري.
يتعلق ثاني هذه الملفات بإصدار أمر دعوة الناخبين إلى التصويت في الانتخابات، بأجل أقصاه غدا الأحد (7 يوليو/ تموز 2019)، ذلك أن القانون الانتخابي التونسي يشترط "دعوة الناخبين إلى إجراء الانتخابات بأمر من رئيس الجمهورية قبل ثلاثة أشهر من يوم التصويت"، والتصويت للانتخابات التشريعية سيكون يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. وفي حال عجز رئيس الجمهورية، أو تخلفه عن توقيع هذا الأمر خلال هذا الأسبوع، تصبح الانتخابات لاغية، وبذلك تدخل البلاد منعرجا خطيرا، ولكن الرئيس السبسي مهر بتوقيعه أمس الجمعة أمر دعوة الناخبين إلى الاقتراع في الموعد المقرّر.
ثالث الملفات المؤكدة توقيع القانون الجديد المنقح المتعلق بالتعديلات الانتخابية، وخصوصاً شروط الترشح، والذي أحاله مجلس نواب الشعب على مؤسسة الرئاسة بالموافقة منذ أسبوعين. وهو قانون تنتظره الأحزاب في الحكم والمعارضة والجمعيات والشخصيات المستقلة على حد السواء التي أعلنت نيتها خوض غمار الانتخابات، والذي أثار لغطا كبيرا لدى هذه الأوساط حد الوصول إلى اتهام الحكومة بإقصاء بعض الجهات والشخصيات التي صعدتها استطلاعات الرأي إلى الصفوف الأمامية. ويفترض أن يقع نشر هذا القانون بعد ختمه من رئيس الجمهورية قبل يوم 22 يوليو/ تموز الجاري، أي قبل فتح باب الترشحات حتى يقع تطبيق الشروط الجديدة عند قبول مطالب الترشح. وسيصبح هذا القانون نافذا بنشره في الجريدة الرسمية قبل أيام من هذا الموعد، وذلك بعد أن تنظر فيه الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين وتجيزه. وفي حال رفض رئيس الجمهورية ختم هذا القانون، سيعاد إلى البرلمان للمصادقة عليه في صيغة معدلة، بما يعني مزيدا من الوقت والانتظار.
هذه الملفات وغيرها في هذه الأيام بالذات التي يجمع متابعون على أنها حاسمة ومصيرية، تجعل من عودة الرئيس إلى ممارسة مهامه أمرا ضروريا. وواضحٌ أن الوعكة الصحية التي تعرّض لها كشفت عن ملفاتٍ أخرى، في مقدمتها ضرورة الإسراع بإحداث المحكمة الدستورية الذي ترك غيابها فراغا دستوريا هائلا، وقف عليه التونسيون خلال مرض الرئيس، وما ترتب عن ذلك من تأويلات وقراءات، خصوصا على مستوى العجز الوقتي والشغور الدائم. إذ لا يمكن أن تسد الهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية مشاريع القوانين هذا الفراغ. كما كشف مرض الرئيس هشاشة مزاجية عامة، ما زال التونسيون يتصفون بها، ومن تمظهراتها الانسياق للإشاعات والأفكار المشكّكة في كل شيء، ناهيك عن نظرية المؤامرة وترويج الفرضيات الغريبة، والضعف الفادح للمنظومات الاتصالية الرسمية والتوظيف المكشوف لوسائل إعلام عربية ودولية معادية للتحول الديمقراطي في تونس.
35FE487F-4A9A-4B25-8DF9-AF430105714E
35FE487F-4A9A-4B25-8DF9-AF430105714E
محمد أحمد القابسي

كاتب وأكاديمي وشاعر تونسي

محمد أحمد القابسي