نفق سلوان والموقف العربي

نفق سلوان والموقف العربي

06 يوليو 2019
+ الخط -
شارك مبعوث الرئيس الأميركي، جيسون غرينبلات، والسفير الأميركي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، فعليا، في هدم الجدار الأخير في النفق الذي حفره الاحتلال؛ ليصل الحيَّ الاستيطاني في بلدة سلوان بمحيط المسجد الأقصى، وأطلقت عليه إسرائيل "نفق الحُجَّاج".
تلك المشاركة الاستفزازية، وبالغة الدلالة سياسيا، (تُعَدُّ اعترافا أميركيا عمليا بالسيادة الاحتلالية على القدس الشرقية ومحيطها)، في هذا التوقيت الذي تتسارع فيه خططُ الاحتلال في تهويد القدس، واستهداف المسجد الأقصى، وضمّ الضفة الغربية، وفرض سيادة الاحتلال عليها، وفي التوقيت الذي توشك فيه واشنطن على الإعلان عن "خطواتٍ جديدة" من صفقة القرن، والتي وصفها مستشار الرئيس الأميركي، جاريد كوشنر، بأنها ستكون براغماتية، وغير تقليدية، وقابلة للتنفيذ. ومن ملامح البراغماتية، حسب كوشنر، توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن لجوئهم، وخارج فلسطين، إذ قال: "قد تدعو الخطة إلى توطين دائم للاجئين الفلسطينيين في الأماكن التي يقيمون فيها، بدلا من عودتهم إلى أراضٍ أصبحت الآن في دولة إسرائيل".
هذا الاصطفاف الأميركي الواضح مع السياسة الاحتلالية، لا بل مع المواقف الأكثر تطرُّفا ويمينية، في إسرائيل، ومع التوجُّهات الدينية منها تحديدا، والتي تذهب إلى إحلال "الهيكل" 
المزعوم محلَّ المسجد الأقصى، يجري للتأكيد، بالفعل، بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها، على استثناء القدس من البحث والتفاوض. يأتي هذا الاعتداء الأميركي الاحتلالي بعد مشاركة دول عربية في ورشة السلام من أجل الازدهار، والتي انتظمت في المنامة؛ وهي الشقّ الاقتصادي لما يُسمَّى بصفقة القرن؛ فأين الموقف العربي؟
دانت جامعة الدول العربية الخطوة، ورأت فيها "تأكيدا للانحياز المطلق والتبنّي الكامل من ممثِّلي الإدارة الأميركية للمشروعات الاستيطانية التهويدية في القدس، خلافاً للإجماع والشرعية الدولية". ولكن السؤال عن موقف الجامعة من الدول العربية الأعضاء فيها، والتي تتآزر، فعليًّا، مع هذا المسار الاحتلالي التهويدي، بإطلاق المواقف المساندة لإسرائيل؛ بالاحتفاء المبالَغ فيه الذي أبداه وزير خارجية البحرين، خالد آل خليفة، بعقد الورشة في عاصمة بلاده، وبتأكيداته المتوسِّلة: "نحن نؤمن بأن إسرائيل دولة باقية، ونريد علاقات أفضل معها، ونريد السلام". والسؤال، أيضا، عن موقف الجامعة العربية من لقاءات تطبيعية عالية المستوى، وكما كان، مؤخَّرا، من زيارة وزير خارجية الاحتلال، يسرائيل كاتس، أبو ظبي، ولقائه مسؤولين كبارا فيها. هذه الزيارة التي طرح فيها، بحسب وزارة الخارجية الإسرائيلية، مبادرة "مسارات السلام الإقليمي"، والتي تشمل ربط المجالين، الاقتصادي والإستراتيجي، بين السعودية ودول الخليج، عبر الأردن بشبكة السِّكَك الحديدية في إسرائيل.
هل تنسجم هذه المواقف الرسمية العربية مع خطاب جامعة الدول العربية؟ وهل يمكن الوثوق بهذا الخطاب، والمفترض أن الجامعة تعبِّر عن الموقف العربي الأساسي، والعام؟ فلا تلك الدول العربية المطبِّعة، والمساندة صفقة القرن، تلتزم بموقف الجامعة العربية، بل إنها تطلق مواقف على النقيض منه، ولا الجامعة العربية تلتفت مباشرة، وبجِدِّية، إلى ذلك المسار العربي الرسمي الذي يستمرّ، ويتنامى، بمعزلٍ عن خطاباتها، وقراراتها المتعلقة بفلسطين، وبالتطبيع مع إسرائيل(!)
هذه المواقف العربية لا تبدي القبول والدعم لإسرائيل، بالمطلق، وإنما لإسرائيل بهذه الصفة التي آلَتْ إليها، ولإسرائيل بهذه الرؤية، وبهذه السياسة، إسرائيل المُصِرَّة على احتلال الضفة الغربية والقدس، وإسرائيل التي تعلن، وتنفّذ مخططاتها نحو تهويد القدس، ونحو إحلال الهيكل محلَّ المسجد الأقصى، وإسرائيل التي تدعم الاقتحامات المتكرِّرة للمسجد الأقصى، وإسرائيل التي تتجه، قولا وفعلا، نحو استهداف المقدسيِّين، وممارسة سياسة التطهير العرقي، وإفراغ 
القدس من أهلها، ومن جديد الإشارات إظهار خريطة خلف المحتفلين بإنجاز النفق، تمّ فيها شطب سلوان التي يعيش فيها ما يقارب 20 ألف فلسطيني.
لقد أظهر الاحتفاء الإسرائيلي الكبير بتصريحات وزير خارجية البحرين، مضافةً إلى تعزيز علاقات دولة الاحتلال مع دول عربية، ومنها خليجية، لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، أظهر مقاديرَ انتفاع الاحتلال من هذه المواقف العربية، حيث تُسوَّق نجاحا له، ولنتنياهو، في فرض إسرائيل على العالم العربي، وهي على ما هي عليه من احتلالٍ وتهويد واستهتار بالحقوق الفلسطينية والعربية، وهذا يعني أن هذا الموقف العربي يعني الكثير لدولة الاحتلال، وأن الرفض العربي (لو حصل) يحرمها من تلك البيئة الإقليمية المساعدة، فضلا عن المقاصد المعنوية المخذّلة التي تسدّدها تلك المواقف العربية إلى جبهة الفلسطينيين والعرب.
هل مواقف جامعة الدول العربية المندِّدة باعتداءات الاحتلال مدفوعة بضغوط الموقفين، الفلسطيني، والعربي الشعبي، ولرفع العتب؟ إذ لا تحترم تلك المواقف دولٌ عربية أعضاء؛ فكيف تتوقَّع أن تقنع العالم بها؟ وجامعة الدول العربية تترك الواقع (العربي)، ولو جزئيا، يسهم في تهشيم مبادرتها للسلام، وتترك لدولٍ عربية أن تُضعِف تلك المقرَّرات والمواقف. ولا بدَّ أنها تعلم خطورة المواقف العربية المنخرطة في تطبيعٍ عملي مع إسرائيل، في تدعيم الركيزة الأساسية التي تبالغ إدارة ترامب، بالتضافر مع الاحتلال، في توظيفها، وهي التسليم بالوقائع الراهنة على الأرض، وهي ركيزة تتسق مع خطابات احتلالية يمينية، لا تمانع في مواجهة الفلسطينيين بضرورة الاستسلام، ولذلك هي تسعى إلى تعزيز الوقائع دوليا، وعربيا، واحتلاليا، نحو هذا الأثر النفسي/ السياسي.
والحقيقة أن قضيةً وصراعا، بهذا المستوى، لا يصحُّ أن يُترَك فيها الفلسطينيون وحدهم، ومرحلة بهذه الخطورة لا يمكن أن تهزَم جِدِّيا بمثل هذا الأداء العربي، المتواطئ، فإزاء هذا الزَّخَم الاحتلالي الأميركي في طمْسِ الواقع الحقيقي، وهو الاحتلال، لا نجد زخَمًا عربيا يقاربه، في المقدار، وفي الجِديَّة، بل نجد، للأسف، مواقف عربية رسمية متهوِّرة وأُحادية، مدفوعةً بيأسٍ من كسبِ الشعوب؛ شعوبِها نفسها، معوَّلةً كليًّا على السنَد الخارجي، لا بل على مساندة دولةٍ تزداد عنصريةً وفاشيّة، تنخرط معنا، كلّنا، في أخطر مراحل الصراع، هي دولة الاحتلال.

دلالات